عبد الكريم الداحول
تعريف الأسر والأسير والسلطات الآسرة
مسؤولية القوة الآسرة عن معاملة الأسرى
النظام القانوني الدولي لمعاملة أسرى الحرب
جرائم الحرب الواقعة على الأسرى وطرق قمعها وإيقاع العقاب بمرتكبيها
فحوى اتفاقية جنيڤ الثالثة لعام 1949 حول أسرى الحرب
دور المنظمات غير الحكومية (الصليب والهلال الأحمر) في رعاية الأسرى
حقوق الأسرى وواجباتهم انتهاء الأسر وآثاره القانونية
أولاً ـ تعريف الأسر والأسير والسلطات الآسرة:
يمكن تعريف الأسر بأنه إجراء وقائي غايته منع أسير الحرب من أن يكون في موضع يمكنه من إحداث الأذى بالدولة الآسرة وفقاً لهذا المعنى فإن الأسر لا يعد عقوبة أو انتقاماً.
ويمكن تعريف الدولة الآسرة ـ وتسميها اتفاقيات جنيڤ الدولة الحاجزة ـ بأنها الدولة التي تحتفظ بأسرى الحرب prisoners of war المنتمين إلى لطرف المعادي.
أما أسير الحرب فيقصد به كل مقاتل يقع في قبضة العدو أو في أيدي الخصم. وهذا التعريف يتطلب منا البحث في طوائف المقاتلين الذين يستحقون هذا الوصف عند إلقاء القبض عليهم أو عند إلقائهم سلاحهم اضطراراً أو اختياراً.وقد حددت المادة الرابعة من اتفاقية جينيف الثالثة لعام 1949 والمادتان (43 و44) من اللحق (البروتوكول) الأول لعام 1977 الأشخاص الذين يستحقون وصف الأسرى في حال القبض عليهم. وهؤلاء حسب المادة الرابعة من اتفاقية جنيڤ الثالثة:
1ـ أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.
2ـ أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع، ويعملون داخل إقليمهم أو خارجه، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً على أن تتوافر الشروط التالية فيهم:
أ ـ أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
ب ـ أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.
ج ـ أن تحمل الأسلحة علناً.
د ـ أن تلتزم في عملياتها قوانين الحرب وأعرافها.
3ـ أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4ـ الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية والمراسلين الحربيين ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين بشرط أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.
5ـ أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة و الملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.
6ـ سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح علناً وأن يراعوا قوانين الحرب وأعرافها.
وتضيف الفقرة ب من المادة الرابعة نفسها أن يعامل الأشخاص المذكورون فيما يلي بالمثل كأسرى حرب بمقتضى هذه الاتفاقية:
أ ـ الأشخاص الذين يتبعون أو كانوا تابعين للقوات المسلحة للبلد المحتل، إذا رأت دولة الاحتلال ضرورة اعتقالهم بسبب هذا الانتماء.
ب ـ الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات المبينة أعلاه، الذين تستقبلهم دولة محايدة أو غير محاربة في إقليمها، وتلتزم اعتقالهم بمقتضى القانون الدولي، مع مراعاة أي معاملة أكثر ملاءمة قد ترى هذه الدول من المناسب منحها لهم.
إن إحدى مشكلات هذا التعريف تكمن في تعداد شروط معينة خاصة ببعض الفئات من المقاتلين من دون سواها. وقد نصت الاتفاقية الثالثة على أن عدم احترام شرط أو آخر من هذه الشروط لا يحرم الأشخاص المعنيين فوراً من وضع المقاتل أو أسير الحرب. لكن الوضوح الظاهري للائحة الشروط أفضى إلى حالات التمييز بين مختلف فئات المقاتلين ورفض وضع مقاتل أو أسير حرب للبعض منهم على نحو تعسفي. وظهر هذا الأمر في استخدام الإدارة الأمريكية مصطلح «مقاتل غير شرعي» لرفض منح صفة أسير حرب لبعض المقاتلين وذلك لأسباب تتعلق بالجنسية أو غياب الشارة المميزة أو انتهاك القانون الدولي الإنساني. لذلك وضع اللحق البروتوكول الأول لعام 1977 تعريفاً للمقاتل من خلال إدراج جميع الذين يشاركون في الأعمال العدائية في هذا التعريف. كما وضح وحدد معايير الاستثناء من وضع مقاتل أو أسير حرب.
واستناداً إلى اللحق (البروتوكول) الأول، المقاتلون هم:
1ـ أفراد القوات المسلحة التابعة لطرف في النزاع.
2ـ أفراد جميع المجموعات المسلحة المنظمة والوحدات ما دامت هذه المجموعات والوحدات تحت قيادة مسؤولة عن تصرفاتهم حتى لو كان الطرف المشترك في النزاع والذي هم تحت قيادته ممثلاً بحكومة أو سلطة غير معترف بها من الطرف المعادي. ويجب أن تخضع مثل هذه القوات لنظام داخلي يكفل اتباع قواعد القانون الدولي الإنساني (م 43).
في بعض الحالات والمواقف التي لا يستطيع المقاتلون تمييز أنفسهم من السكان المدنيين بالطريقة المطلوبة فانه يكتفى منهم أن يميزوا أنفسهم من السكان المدنيين في أثناء اشتباكهم في هجوم أو في عملية عسكرية تجهز للهجوم، وإذا أخفق أحدهم في ذلك فإنه يبقى محتفظاً بوضعه مقاتلاً بشرط أن يحمل سلاحه علناً في أثناء أي اشتباك عسكري، أو طوال ذلك الوقت الذي يبقى فيه مرئياً للخصم على مدى البصر في أثناء انشغاله بتوزيع القوات في مواقعها استعداداً للقتال قبيل شن هجوم عليه أن يشارك فيه. أما من يخالف التزام حمل الأسلحة علناً فإنه قد يحرم من وضعه أسيرَ حرب، ولكنه يمنح على الرغم من ذلك حماية تماثل من جميع النواحي تلك التي يتمتع بها أسرى الحرب، وتشمل تلك الحماية ضمانات مماثلة لتلك التي تضفيها الاتفاقية الثالثة على أسير الحرب عند محاكمته أو معاقبته على جريمة ارتكبها.
وتجدر الإشارة هنا في نهاية هذا التعداد لطوائف أسرى الحرب إلى أن هناك ثلاث فئات لا يتمتعون بهذه الصفة وهم: الجواسيس والمرتزقة والوطنيون الملتحقون بقوات العدو.
ثانياً ـ النظام القانوني الدولي لمعاملة أسرى الحرب:
خلافاً لما كان سائداً بين المشتغلين في القانون الدولي العام، من أن الحروب القديمة لم تكن تخضع لقانون، يؤكد بعضهم ـ بحق ـ أن المجتمعات القديمة التزمت في حروبها بعض القواعد التي تتضمن أحكاماً إنسانية مشابهة لتلك الموجودة في قانون النزاعات المسلحة الحديثة ـ أي القانون الدولي الإنساني بالمعنى الواسع ـ من ذلك التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وعدم التعرض لهؤلاء، والصفح عن أسرى الحرب، وتجنب إحداث ألم غير ضروري. على أن هذا لا ينفي ارتكاب بعض الأعمال الوحشية في تلك الحروب، فقد أخفقت هذه الأحكام ـ في حالات كثيرةـ في منع تلك الأعمال المعتادة في زمن الحرب. مع ذلك فإن القدر المتيقن أن ارتكاب هذه الأعمال ـ البعيدة عن الروح الإنسانية ـ كان يتناسب عكساً مع رقي كل شعب وتمدنه. فبعض الشعوب كانت تسرف في القتل والتدمير، وكانت انتصاراتها تقترن بأعمال وحشية مثيرة، وبعضها الآخر كان أكثر اعتدالاً وابتعاداً عن هذه الأعمال. فلم يكن العرب ـ مثلاًـ قبل الإسلام يقومون بتعذيب الأسرى لأن هذا العمل تأباه المروءة والتقاليد العربية. وكانوا يرون أن لذة الانتصار تتحقق في العفو دون مقابل أو إطلاق سراح الأسير مقابل الحصول على شيء منه يكون رمزاً لانتصارهم، أو مقابل تعهد الأسير بعدم العودة إلى قتال آسرة.
ويشير بعض الكتّاب إلى عدد من العوامل التي ساعدت على ظهور الأفكار الإنسانية المتعلقة بمعاملة أسرى الحروب وتطورها ومن أهمها: العامل الديني، وعامل الضرورة، وعامل الفروسية وعامل الإنسانية.
ومع بداية القرن التاسع عشر أخذت القواعد الخاصة بحماية الأسرى التي أوحت بها العوامل السابقة تكتسب صفة القواعد العرفية بحيث انتقلت من دائرة القواعد الأخلاقية غير الملزمة إلى دائرة القواعد القانونية التي تتسم بنوع من الإلزام. بيد أن هذه القواعد لا بد من أن تتجسد في الاتفاقيات الثنائية التي كان يعقدها المتحاربون قبل بدء القتال حتى تكون محترمة في أثنائه.
وفي منتصف القرن التاسع عشر ـ ولاسيما مع تقدم وسائل القتال وأساليبه ـ كان الدمار والألم الإنساني غير المحدود، إضافة إلى صحوة الضمير البشري، كل ذلك جعل من الواضح أن الطرق الثنائية التقليدية ـ كالاتفاقيات الثنائية بين الدول المتحاربة ـ لا يمكن أن توفر حماية فعالة لضحايا الحروب ومنهم الأسرى. وقد شكل نشر كتاب «تذكار سولفرينو» لهنري دونان نقطة البداية التي أثمرت عن عقد عدد من الاتفاقيات المتعلقة بحماية هؤلاء.
وقد نظم قانون لاهاي ـ الفصل الثاني من القسم الأول من اللائحة الملحقة بالاتفاقية الثانية لسنة 1899 الذي حل محله الفصل الثاني من القسم الأول من اللائحة الملحقة بالاتفاقية الرابعة لسنة 1907 ـ مسألة معاملة أسرى الحرب. وأهم ما تضمنته اللائحتان من قواعد أن أسرى الحرب يخضعون لسلطة حكومة الخصم لا لسلطة الأفراد، وأن بإمكان هذه الحكومة أن تحتجزهم لمنعهم من القتال، لكن يجب أن تعاملهم بإنسانية. علاوة على أن هاتين اللائحتين هما اللتان تحددان فئات المقاتلين الذين لهم الحق في التمتع بالحماية أو الذين يحصلون على وصف أسرى الحرب.
لقد اعترفت لائحة لاهاي بثلاث فئات من المحاربين الذين خلعت عليهم وصف المقاتل القانوني، بما يترتب على ذلك من حقه في ممارسة أعمال القتال من جهة، وفي التمتع بالحصانات المقررة لأسرى الحرب في حالة إلقائه السلاح اضطراراً أو اختياراً من جهة ثانية. وهذه الفئات هي:
1ـ أفراد القوات المسلحة النظامية.
2ـ الميليشيات والوحدات المتطوعة التي تستوفي شروطاً معينة.
3ـ أفراد الهبة الجماهيرية في إقليم غير محتل.
وقد أدت التجارب المستفادة من الحرب العالمية الأولى إلى إثبات عدم كفاية القواعد المنصوص عليها في قانون لاهاي وإلى التفكير بوضع اتفاقية جديدة خاصة بمعاملة أسرى الحرب. وعندما عقد المؤتمر الدولي العاشر للصليب الأحمر في جنيڤ سنة 1921 أبدى رغبته في أن تعقد الحكومات في أقرب وقت ممكن اتفاقية بشأن أسرى الحرب تكمل وتعدل اتفاقية لاهاي لسنة 1907 الخاصة بقواعد الحرب البرية وأعرافها واللائحة الملحقة بها.
وقد عقد مؤتمر دبلوماسي في أول تموز/يوليو سنة 1929 تمخض عنه ـ بين أشياء أخرى ـ اتفاقية خاصة بمعاملة أسرى الحرب تتكون من /97/ مادة. وقد قسمت الاتفاقية إلى ديباجة وثمانية أبواب: الباب الأول: أحكام عامة. الباب الثاني: الأسر. الباب الثالث: مدة الأسر. الباب الرابع: انتهاء الأسر. الباب الخامس: وفاة أسرى الحرب. الباب السادس: مكتب الاستعلامات والإغاثة. الباب السابع: تطبيق الاتفاقية على فئات معينة من المدنيين. الباب الثامن: تنفيذ الاتفاقية.
عدّت هذه الاتفاقية ـ في ذلك الوقت ـ علامة مضيئة في سبيل بناء فعال لحماية أسرى الحرب، يضم مجموعة متكاملة من القواعد الإنسانية والحقوق الممنوحة لهذه الفئة.
وكانت الحرب العالمية الثانية الاختبار الأول لهذه الاتفاقية إذ منحت العديد من الأسرى خلاصاً حقيقياً من المآسي التي تعرض لها أقرانهم خلال الحرب العالمية الأولى.
بيد أن هذه الحرب أظهرت أوجه النقص والقصور في تلك الاتفاقية، وذلك بسبب التغيرات التي طرأت على إدارة الحرب وعلى الآثار المترتبة عليها، وكان من الضروري خاصة توسيع دائرة الأشخاص الذين يحق لهم المطالبة بالمركز القانوني لأسير الحرب عند وقوعهم في قبضة العدو، وعدم حرمان الأسير من هذا المركز على نحو تعسفي في أي وقت. وكان هناك أيضاً حاجة لتنظيمات أدق تحكم الاعتقال مع مراعاة الأهمية التي يكتسبها عمل الأسرى، ومواد الإغاثة التي يتلقونها أو الإجراءات القانونية المتخذة ضدهم. كذلك كان لا بد من إعادة تأكيد مبدأ الإفراج الفوري عن الأسرى في نهاية الأعمال العدائية، وأخيراً كان من الضروري تقوية مركز الأجهزة المكلفة رعاية مصالح الأسرى بعيداً عن العلاقات السياسية بين الأطراف المتحاربة. وهكذا جاءت اتفاقية جنيڤ الثالثة لتسد أوجه النقص والقصور المشار إليها.
ثالثاً ـ فحوى اتفاقية جنيڤ الثالثة لعام 1949 حول أسرى الحرب:
تضمنت اتفاقية جنيڤ الثالثة لعام 1949 مئة وثلاثاً وأربعين مادة موزعة على ستة أبواب، إضافة إلى خمسة ملاحق.
ويتضمن الباب الأول (المواد 1 إلى 11) مجموعة من الأحكام الأساسية التي يجب مراعاتها من قبل أطراف النزاع بشأن معاملة الأسرى، حيث تلزم جميع الأطراف احترام الاتفاقية وتطبيقها في حالات الحرب المعلنة، وأي اشتباك مسلح ينشب بين طرفين أو أكثر، وعدم جواز التنازل عن الحقوق المعترف بها لأسرى الحرب، ودور الدولة الحامية وبدائلها، وإجراءات التوفيق في حالة عدم تطبيق أطراف النزاع أو تفسير أحكام الاتفاقية، إضافة إلى بيان دور ICRC إزاء حماية الأسرى وإغاثتهم.
ويتضمن الباب الثاني (المواد 12 إلى 16) المبادئ الأساسية التي يجب أن تسترشد بها المعاملة التي يعامل بها الأسرى في جميع الأوقات والأماكن من حيث ضرورة معاملتهم بإنسانية، وواجب احترام أشخاص الأسرى وشرفهم، ومراعاة المساواة في المعاملة بينهم.
وينظم الباب الثالث نظام الأسر ( المواد 17 إلى 108) من حيث الإجراءات الواجب اتباعها حين ابتداء الأسر، وأماكن اعتقال الأسرى، وعمل هؤلاء ومواردهم المالية وعلاقتهم مع الخارج ومع السلطات. ومن أهم ما جاء به حظر ممارسة أي تعذيب أو إكراه عليهم لمحاولة الحصول على معلومات، وعدم جواز حرمانهم من الأشياء المعدّة لاستعمالهم الشخصي، وتوفير وسائل العناية الصحية بهم. والأهم من ذلك تنظيم عمل الأسرى وتحديد العقوبات الجنائية والتأديبية والإجراءات القضائية الواجب اتباعها.
أما الباب الرابع ( المواد من 109 إلى 121) فيتعلق بانتهاء حالة الأسر. ومن أهم أحكامه، التزام أطراف النزاع إعادة جميع أسرى الحرب إلى الوطن مباشرة فور انتهاء الأعمال العدائية. أما الجرحى والمرضى الميؤوس من شفائهم فيجب إعادتهم إلى أوطانهم مباشرة.
ويقضي الباب الخامس (المواد من 122 إلى 125) بإنشاء جهازين لضمان احترام التعهدات التي تقع على عاتق أطراف النزاع بشأن الأسرى، وهما:
1ـ مكتب الاستعلامات: وهو جهاز متخصص، ينشأ لدى كل طرف فور نشوب النزاع وفي جميع حالات الاحتلال، وتكون مهمته تلقي المعلومات الخاصة بحالات النقل والإفراج والإعادة إلى الوطن، والهروب والدخول في المستشفى والوفاة وما إلى ذلك.. ونقل هذه المعلومات فوراً إلى الدول المعنية عن طريق الدولة الحامية أو بدائلها.
2ـ الوكالة المركزية للاستعلامات بشأن أسرى الحرب في بلد محايد وتكلف بتركيز جميع المعلومات التي تهم أسرى الحرب والتي يمكنها الحصول عليها بالطرق الرسمية أو الخاصة، وتنقل هذه المعلومات بأسرع ما يمكن إلى بلد منشأ الأسرى أو إلى الدولة التي يتبعونها.
أما الباب السادس والأخير (المواد 136 إلى 143) فقد تضمن بعض المبادئ الأساسية منها مبدأ الرقابة على أماكن وجود أسرى الحرب. ومبدأ العقوبات الجنائية في حالة اقتراف إحدى المخالفات الجسيمة، ومبدأ المسؤولية الشخصية عن حالة اقتراف إحدى الانتهاكات الجسيمة. إضافة إلى هذه المبادئ المتقدمة تضمن هذا الباب، الإجراءات المتعلقة بالتوقيع والتصديق والنفاذ والانضمام والإبلاغ عن الانضمام وحالات الانسحاب والتسجيل لدى الأمم المتحدة.
ويمكن القول إن هذه الاتفاقية تمثل نظاماً متكاملاً نظراً لأن أحكامها تواكب الأسير منذ لحظة ابتداء الأسر حتى الإفراج عنه مع كل ما يرافق ذلك من إجراءات تتسم بطابع إنساني.
رابعاً ـ حقوق الأسرى وواجبا تهم:
حددت اتفاقية جنيڤ الثالثة مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها الأسرى ومجموعة أخرى من الالتزامات التي تقع على عاتقهم، ويمكن إجمال هذه الحقوق فيما يلي:
1ـ يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ولهم الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم، ومعاملتهم معاملة متساوية. كما يجب معاملة الأسيرات بكل التقدير الواجب لجنسهن.
2ـ يجب نقلهم بأسرع وقت إلى معسكرات تقع بعيداً عن مناطق القتال، ويجب أن يتوافر في مباني الاحتجاز كل ما يضمن النظافة والصحة ومراعاة حالة الطقس في المنطقة، ويجب أن تكون ظروف حجزهم ملائمة ومماثلة للظروف المتوافرة لقوات الدولة الحاجزة المقيمة في المنطقة ذاتها.
3ـ يجب أن تكون حصص الطعام اليومية كافية كماً ونوعاً ويجب أن تؤخذ العادات الغذائية للأسرى في الحسبان.
4ـ يتمتع الأسرى بالحرية الكاملة في ممارسة شعائرهم الدينية وممارسة الأنشطة الرياضية والنشاطات الذهنية.
5ـ يجب تعليق أي لوائح تتعلق بسلوك الأسرى بما في ذلك نص اتفاقية جنيڤ الثالثة في المعسكر وبلغة يفهمها الأسرى.
6ـ لا يجوز للدولة الحاجزة تشغيل الأسرى إلا ضمن الشروط المحددة في المواد من 49ـ57.
7ـ للأسرى العديد من الحقوق المالية التي نظمتها المواد من 58ـ68.
8ـ حق الأسرى بتسلم الرسائل وإرسالها وحقهم كذلك بتسلم طرود الإغاثة الفردية والجماعية.
9ـ لا يجوز ممارسة أي تعذيب بدني أو أي إكراه على الأسير لاستخلاص المعلومات منه، ولا يلتزم الأسير عند استجوابه إلا الإدلاء باسمه الكامل ورتبته العسكرية وتاريخ ميلاده ورقمه بالجيش.
وإلى جانب هذه الحقوق هناك بعض الواجبات التي على الأسرى التقيد بها، والقاعدة في هذا الشأن أن الأسرى يخضعون للقوانين واللوائح المطبقة على القوات المسلحة للدولة الحاجزة. كما أنهم يخضعون للقوانين والأوامر العسكرية الخاصة التي يجوز للدولة الحاجزة أن تضعها لهم ذاتهم، ويجوز معاقبتهم جزائياً أو تأديبياً في حال مخالفتهم لتلك القوانين والأنظمة.
يبد أنه لا يجوز محاكمة الأسير عن أفعال القتال المشروعة التي يجيزها القانون الدولي، أما الأفعال غير المشروعة التي تعدّ جرائم حرب أو غيرها من الجرائم الدولية والتي ارتكبها الأسير قبل وقوعه في الأسر، فيجوز محاكمته عنها، ومع ذلك يستمر تمتع الأسرى حتى في حالة إدانتهم بالحماية التي توفرها الاتفاقية، إذ لا يجوز بحال من الأحوال حرمانهم من هذه الحماية المنصوص عنها من المواد من 78 ـ 176.
وهكذا فإن الأسرى معرضون للحكم عليهم بالعقوبات التأديبية أو الجزائية بحسب الجرم المسند إليهم في أثناء الأسر، أو الفعل غير المشروع الذي كانوا قد ارتكبوه قبل الوقوع في الأسر.
وتحدد اتفاقية جنيڤ الثالثة العقوبات التأديبية التي يجوز إيقاعها بالأسرى وأقصى هذه العقوبات هي عقوبة الحبس التأديبي عن الفعل الواحد بما لا يتجاوز الثلاثين يوماً.
وتفرض هذه العقوبات بمعرفة القادة العسكريين بعد تحقيق موجز وسريع على أن الأمر يختلف في العقوبات الجزائية التي تصدر عن قضاء الدولة الحاجزة لارتكاب الأسير إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو قانون العقوبات العسكري للدولة الحاجزة أو بالمخالفة لقواعد القانون الدولي العام، أي للجرائم التي تعدّ جرائم حرب أو غيرها من الجرائم الدولية كالجرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعية، حيث تنظر في هذه الجرائم محكمة مختصة من محاكم الدولة الحاجزة؛ وذلك وفقاً لقانون السلطة القضائية في تلك الدولة. وفي جميع الحالات يجب توفير الضمانات القضائية في مراحل المحاكمة كافة.
خامساً ـ مسؤولية القوة الآسرة عن معاملة الأسرى:
يستمر حق أطراف النزاع في استخدام وسائل القتال المشروعة وأساليبه ما بقي المقاتلون على مقاومتهم. أما بعد أن يكف هؤلاء عن المقاومة ويلقوا سلاحهم اضطراراً أو اختياراً، فلا يجوز التعرض لهم بالقتل أو خلافه، ويترتب لهم في هذه الحالة مجموعة من الامتيازات والحقوق بوصفهم أسرى حرب.
ويقع هؤلاء الأسرى تحت سلطة الدولة المعادية، لا تحت سيطرة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم. وتكون تلك الدولة مسؤولة عن المعاملة التي يلقاها الأسرى إضافة إلى المسؤوليات الأخرى التي قد توجد. ومعنى ذلك أن الأسير لا يعد خاضعاً لسلطة الجنود الذين أسروه، وإنما لسلطة الدولة التي يتبعها هؤلاء الجنود. ويتعين على هذه الدولة أن تحترم الأسرى الخاضعين لسلطتها توفر لهم الاحترام والحماية والمعاملة الإنسانية. فالأسر لا يعد عقوبة أو انتقاماً، وإنما مجرد إجراء وقائي لمنع الأسير من أن يكون في حالة يمكنه فيها من إحداث الأذى بالدولة المعادية، وأي إجراءات صارمة تتعدى هذا الغرض تعد غير ضرورية.
وقد ورد النص على هذا المبدأ للمرة الأولى من المادة الرابعة من اللائحة الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 بنصها على أن يقع أسرى الحرب تحت سلطة حكومة العدو لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات التي أسرتهم. وأعيد تأكيد المبدأ في الاتفاقيات اللاحقة المتعلقة بأسرى الحرب وآخرها اتفاقية جنيڤ الثالثة.
سادساً ـ جرائم الحرب الواقعة على الأسرى وطرق قمعها وإيقاع العقاب بمرتكبيها:
تعرف جريمة الحرب بأنها فعل عمدي يرتكبه أحد أفراد القوات المسلحة لطرف محارب أو أحد المدنيين انتهاكاً لقاعدة واجبة الاحترام من قواعد القانون الدولي الإنساني.
وقد أشارت اتفاقية جنيڤ الثالثة واللحق (البروتوكول) الأول إلى طائفتين من طوائف الانتهاكات لأحكامهما، أولها الانتهاكات التي توصف بأنها انتهاكات جسيمة، وتلزم الدول قمعها جزائياً وثانيهما هي المخالفات التي تلتزم الدول وقفها فقط.
والانتهاكات الجسيمة التي أشارت إليها اتفاقية جنيڤ الثالثة وردت في المادة (130) منها، وهي التي تتضمن أحد الأفعال التالية: القتل العمد والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطر بالسلامة البدنية أو بالصحة، وإرغام أسير الحرب على الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية أو حرمانه من حقه في أن يحاكم بصورة قانونية.
وتوسع المادتان 11 و85 من اللحق (البروتوكول) الأول، وتعززان الحماية الممنوحة للأسرى فتقضي المادة (11) بأنه يجب ألا يمس عمل أو إحجام لا مسوغ لهما بالصحة والسلامة البدنية والعقلية للأشخاص الذين هم في قبضة الخصم … ومن ثم يحظر تعريض (هؤلاء) الأشخاص لأي إجراء طبي لا تقتضيه الحالة الصحية للشخص المعني ولا يتفق والمعايير الطبية التي قد يطبقها الطرف الذي يقوم بالإجراء على رعاياه المتمتعين بكامل حريتهم في الظروف الطبية المماثلة … وتحظر هذه المادة بصفة خاصة أن يجرى لهؤلاء الأشخاص ـ ولو بموافقتهم ـ أي مما يلي: عمليات البتر، التجارب الطبية أو العلمية، استئصال الأنسجة أو الأعضاء بغية استزراعها، وذلك إلا حيثما يكون لهذه الأعمال ما يسوغها.
أما المادة (85) فتقضي بأن تعد الأعمال التالية فضلاً عن الانتهاكات الجسيمة المحددة في المادة (11) بمنزلة انتهاكات جسيمة لهذا اللحق (البروتوكول) إذا اقترفت عمداً مخالفة للنصوص الخاصة بها في هذا اللحق (البروتوكول)، وسببت وفاة أو أذى بالجسد أو بالصحة … اتخاذ شخص ما هدفاً للهجوم عن معرفة بأنه عاجز عن القتال، كل تأخير لا مسوغ له في إعادة أسرى الحرب أو المدنيين إلى أوطانهم … حرمان شخص تحميه (الاتفاقية) من حقه في محاكمة عادلة طبقاً للأصول المرعية.
وجاءت المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 خطوة هامة وحاسمة في مجال تحديد طوائف جرائم الحرب التي ترتكب ضد أسرى الحرب، تحديداً تفصيلياً، وذلك بنصها على أن تعني جرائم الحرب:
أ ـ الانتهاكات الجسيمة (لاتفاقية جنيڤ الثالثة) أي أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص (الأسرى) الذين تحميهم:
(1) القتل العمد.
(2) التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.
(3) إرغام أي أسير حرب على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية.
(4) تعمد حرمان أي أسير حرب من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة و نظامية.
ب ـ الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النظام الثابت للقانون الدولي أو أي فعل من الأفعال التالية:
(6) قتل مقاتل استسلم مختاراً أو جرحه، يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع.
(10) إخضاع الأشخاص الموجودين تحت سلطة طرف معاد للتشويه البدني أو لأي نوع من التجارب الطبية أو العلمية التي لا تسوغها المعالجة الطبية أو معالجة الأسنان أو المعالجة في المستشفى للشخص المعني والتي لا تجري في مصلحته وتتسبب في وفاة ذلك الشخص أو أولئك الأشخاص أو في تعريض صحتهم لخطر شديد.
(21) الاعتداء على كرامة الشخص وخاصة المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة.
(22) الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء … أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي يعدّ أيضاً انتهاكاً خطراً لاتفاقيات جنيڤ.
وقد ألزمت اتفاقية جنيڤ الثالثة في المادة 129 واللحق (البروتوكول) الأول في المادة 85 الدول الأطراف أن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى الانتهاكات الجسيمة. ويلزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه الانتهاكات أو الأمر باقترافها وبتقديمهم إلى المحاكمة أياً كانت جنسيتهم، وله أيضاً أن يسلمهم إلى طرف متعاقد معني أخر لمحاكمتهم.
كما أنه على كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التي تتعارض وأحكام هذه الاتفاقية بخلاف الانتهاكات الجسيمة.
وتقوم أطراف النزاع والأطراف المتعاقدة الأخرى بدور أساسي في عملية قمع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، ويبرز هنا دور القادة العسكريين الذين يجب عليهم قمع الانتهاكات التي تقع من مرؤوسيهم ومنعها أو أن يخبروا السلطات المختصة بالانتهاكات التي لا يستطيعون منع جنودهم من ارتكابها. ومع ذلك يمكن أن يكون دور القادة العسكريين تأديبياً أو مانعاً فحسب. أما العقوبات الجنائية فهي من شأن السلطات المختصة وفقاً للتشريع الوطني.
ولا يمكن تصور المسؤولية الجزائية ما لم تلتزم الدول الأطراف في الاتفاقيات الإنسانية المعنية محاكمة الأشخاص الذين اقترفوا أعمالاً تعدّ انتهاكات جسيمة أمام محاكمها لذلك تنص المادة 129 من اتفاقية جنيڤ الثالثة على ضرورة تحديد العقوبات الملائمة في القانون الوطني وهكذا فإن نظام العقوبات متروك لتقرير الدول التي يمكنها وضعه وفقاً لنظامها الداخلي.
وإذا كان تحديد العقوبات يمثل التزاماً ينبغي على الدول تنفيذه بمجرد أن تصبح أطرافاً في الاتفاقيات المعنية، فإن أي انتهاك جسيم أو جريمة حرب ينشئ لهم التزام قمعه.
ويجب على الدول أن تتبادل جميع المعلومات المفيدة لملاحقة الانتهاك الجسيم، وتستجيب لطلبات تسليم المجرمين، أو أن تقدم مقترف الجريمة إلى محاكمها إذا كان تشريعها الداخلي لا يسمح بذلك.
ويعكس القانون الدولي الإنساني في هذا الصدد خاصتين: فهو من ناحية يخلق اختصاصاً عالمياً، فالدولة التي يكون على أراضيها أجنبي اقترف جريمة حرب في الخارج ضد مواطني دولة أخرى، تتمتع باختصاص ملاحقة المتهم. ومن ناحية أخرى يعد اختصاص الملاحقة والمحاكمة ملزماً، لأن الاتفاقية الثالثة تقتضي أن يلتزم كل طرف متعاقد ملاحقة المتهمين باقتراف هذه الانتهاكات أو الأمر باقترافها وتقديمهم إلى محاكمه أياً كانت جنسيتهم.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتهاكات الجسيمة أو جرائم الحرب المنصوص عليها في الاتفاقية الثالثة واللحق (البروتوكول) الأول لا تخضع للتقادم، وتستوجب العقاب في كل مكان.
وقد نجح مؤتمر روما الدبلوماسي عام 1998 في إقرار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك في أعقاب جهود دولية متواصلة استهدفت إقامة نظام قضائي جزائي دولي دائم.
وقد أشارت الديباجة إلى أن الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي إذ تؤكد أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب وأنه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي.
وإذ تذكر بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجزائية على أولئك المسؤولين عن ارتكاب جريمة دولية.
وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.
وهكذا فإن القاعدة أن اختصاص المحكمة الجنائية اختصاص مكمل لاختصاص القضاء الجنائي الوطني إذ إن نظام روما الأساسي ينطوي على دعوة الدول الأطراف إلى المبادرة بالتحقيق في أي وقائع تعدّ جرائم حرب بوساطة السلطات الوطنية المختصة طبقاً للقوانين الداخلية؛ لأن هذا الموقف يعدّ خط الدفاع الأول للتعامل مع الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة، ومنها جرائم الحرب. أما في حالة عجز السلطات عن القيام بتلك المهمة لسبب أو لآخر فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الجنائية الدولية. ومن ثم يمكن القول إن دور المحكمة هو دور مكمل لدور القضاء الوطني بحيث إذا تصدى القضاء الوطني لمحاكمة مجرمي الحرب فلا يكون هناك من سبيل لإجراء المحاكمة أمام القضاء الجنائي الدولي إلا إذا تبين للمحكمة الجنائية الدولية أن السلطات الوطنية غير راغبة أو غير قادرة فعلاً على القيام بإجراءات التحقيق والاتهام.
وهكذا أقام القانون الدولي العام اختصاصاً عالمياً لتعقب الفاعلين لجرائم الحرب، بغض النظر عن جنسياتهم أو أماكن ارتكاب جرائمهم ـ يخول الدول الحق في القبض عليهم ومحاكمتهم أمام محاكمها أو تسليمهم إلى الدول التي تطلب تسليمهم سواء كانت هذه الدول التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص أم تلك التي ارتكبت الجرائم فوق إقليمها.
وتأسيساً على ذلك فإن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لا يعني أنها صاحبة الاختصاص الوحيدة بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، وإنما تبقى الدولة الطرف في النزاع صاحبة الاختصاص الأصيل بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم. وبناءً على ذلك نصت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة ـ كما سبقت الإشارة ـ على أن المحكمة الجنائية الدولية ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية. كما أن المادة الأولى من النظام الأساسي أكدت على أن تكون المحكمة مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية.
وتقرر المحكمة حسب المادة 17 من النظام أن الدعوى غير مقبولة في حالة:
(1) إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها ولاية عليها. ما لم تكن الدولة حقاً غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك.
(2) إذا كانت قد أجرت التحقيق في الدعوى دولة لها ولاية عليها وقررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني، ما لم يكن القرار ناجماً عن عدم رغبة الدولة أو عدم قدرتها حقاً على المقاضاة.
(3) إذا كان الشخص المعني قد سبق أن حوكم على السلوك موضوع الشكوى.
(4) إذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تسوغ اتخاذ المحكمة إجراء آخر.
سابعاً ـ دور المنظمات غير الحكومية (الصليب والهلال الأحمر) في رعاية الأسرى:
اعترفت الدول للجنة الدولية للصليب الأحمر بحق المبادرة قبل النص عليه في اتفاقية جنيڤ بشأن معاملة أسرى الحرب لعام 1929 التي أشارت إلى أنه لن تكون أحكامها عقبة في سبيل الجهود الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بقصد حماية الأسرى بموافقة المتحاربين. كما أشير إلى هذا الحق في اتفاقية جنيڤ الثالثة لعام 1949، ولم يعد يقتصر حق المبادرة على حماية الأسرى، بل امتد إلى إغاثتهم. كما أن النص الجديد لم يعد ينطبق على اللجنة الدولية وحدها، بل امتد ليشمل أي منظمة إنسانية محايدة (المادة 9 من اتفاقية جنيڤ الثالثة) كما تأكد هذا الحق في اللحق (البروتوكول) الأول لعام 1977 في المادة (81) منه.
ويلاحظ أن للجنة الدولية للصليب الأحمر الحق في الذهاب إلى جميع الأماكن التي فيها أسرى كالمعسكرات والمستشفيات وغيرها، وزيارة الأسرى مع إمكانية تكرار الزيارات ووفقاً للمدة التي تراها، والتحدث معهم من دون شهود.
كما سبق القول فإنه يسمح لأي منظمة أخرى أن تحل محل اللجنة الدولية للصليب الأحمر إذا لم تتمكن من العمل أو إذا اتجهت لتعزيز نشاطها. وهنا يبرز دور الجمعيات الوطنية للصليب والهلال الأحمر في تنفيذ هذا الحق؛ وذلك بتسهيل اتصالات اللجنة مع السلطات في بلادها وحثها على قبول خدماتها وتقديم التسهيلات اللازمة لتأدية الخدمات الإنسانية لمصالح الأسرى، ولاسيما تنظيم تسلم طرود الإغاثة الفردية أو الجماعية التي تضم المواد الغذائية والملابس والأدوية وتوزيعها وغيرها من المواد المصرح بها سواء القادمة من عائلات الأسرى أم من المتبرعين بها إليهم.
ثامناً ـ انتهاء الأسر وآثاره القانونية:
لا يعد الأسر عقوبة أو انتقاماً، وإنما هو مجرد إجراء وقائي لمنع الأسير من أن يكون في حالة يمكنه معها إحداث الأذى بالدولة المعادية، وعلى هذا الأساس فحالة الأسر ليست حالة دائمة، وإنما هي حالة مؤقتة تنتهي في بعض الحالات على نحو ملزم للأطراف المتنازعة وفي بعض الحالات على نحو اختياري.
1ـ هروب الأسير: إن سعي الأسير لاسترداد حريته عن طريق الهروب من الأسر ينطوي على رغبة وطنية مشروعة تدفعه لإعادة الالتحاق بقواته المسلحة ومواصلة الدفاع عن أرضه. ولكن هذه الرغبة تعد من وجهة نظر الدولة الحاجزة مقاومة عدائية موجهة ضدها وإخلالاً من الأسير بواجبات الانضباط العسكري ومخالفة منه لقوانين الدولة الحاجزة وقد ترتب على كل ذلك أن أصبحت النظرة إلى هروب الأسير عملاً لا ينطوي على خرق لقواعد القانون الدولي الإنساني، وإن كان للدولة الحاجزة في الوقت نفسه الحق في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع الأسير من الهرب وقمع كل محاولة من جانبه لذلك.
وقد عدّت اتفاقية جنيڤ الثالثة لسنة 1949 استخدام الأسلحة ضد أسرى الحرب ـ ولاسيما ضد الهاربين أو الذين يحاولون الهرب ـ وسيلة أخيرة يجب أن يسبقها دائماً إنذارات مناسبة للظروف.
علاوة على ذلك أشارت الاتفاقية ذاتها إلى الحالات التي يعد فيها هروب الأسير ناجحاً، وهي:
أ ـ إذا لحق بالقوات المسلحة التي يتبعها أو بقوات دولة حليفة لها.
ب ـ إذا غادر الأراضي الواقعة تحت سلطة الدولة الحاجزة أو دولة حليفة لها.
ج ـ إذا انضم إلى سفينة ترفع علم الدولة التي يتبعها، أو علم دولة حليفة لها في المياه الإقليمية للدولة الحاجزة، بشرط ألا تكون السفينة المذكورة خاضعة لسلطة الدولة الحاجزة.
وأسير الحرب الذي ينجح في الهروب ـ كما هو محدد في الحالات السابقة ـ تنتهي حالة الأسر بالنسبة له، وتنقطع بذلك كل صلة تربطه بالدولة الحاجزة، بحيث إذا وقع مرة أخرى أسيراً في أيدي قوات تلك الدولة، فلا يجوز تعريضه لأي عقوبة بسبب هروبه السابق.
وفي جميع الأحوال إذا لم يتمكن الأسير من تنفيذ خطته في الهرب، وألقي القبض عليه في أثناء تلك العملية، فلا يجوز معاقبته بعقوبة جنائية، وإنما يجوز أن تفرض عليه عقوبة تأديبية فحسب، حتى في حالة تكراره المحاولة، ويجوز كذلك في هذه الحالة فرض نظام مراقبة خاص على أسرى الحرب بسبب هروبهم غير الناجح، ولكن شريطة أن لا يؤثر ذلك في حالتهم الصحية تأثيراً ضاراً.
2ـ إعادة الأسرى لأسباب صحية: تشير إلى هذه الحالة المادة (109) من اتفاقية جنيڤ الثالثة إذ تلزم أطراف النزاع أن تعيد أسرى الحرب المصابين بأمراض خطرة أو جراح خطيرة إلى أوطانهم، وذلك بعد أن ينالوا من الرعاية الصحية ما يمكنهم من السفر. يبد أنه لا يجوز أن يعاد إلى الوطن ضد إرادته في أثناء الأعمال العدائية أي أسير حرب جريح أو مريض مؤهل للإعادة إلى الوطن، والالتزام الذي تفرضه هذه المادة على أطراف النزاع يختلف عن أسلوب الوعظ والإرشاد الذي تستعمله الكثير من مواد الاتفاقية.
وقد بينت المادة (110) من اتفاقية جنيڤ الثالثة حالات الإعادة المباشرة إلى الوطن أو الإيواء في بلد محايد إلى أن تنتهي الأعمال العدائية والفئة الأولى تشمل:
أ ـ الجرحى والمرضى الميئوس من شفائهم، والذين يبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة.
ب ـ الجرحى والمرضى الميئوس من شفائهم في عام طبقاً للتوقعات الطبية، وتتطلب حالتهم العلاج، ويبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة.
ج ـ الجرحى والمرضى الذين تم شفاؤهم؛ ولكن يبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة وبصفة مستديمة45.
أما للفئة الثانية التي يجوز إيواء أفرادها في بلد محايد فتشمل:
أ ـ الجرحى والمرضى الذين ينتظر شفاؤهم في عام من تاريخ الجرح أو بداية المرض، إذا كانت معالجتهم في بلد محايد تدعو إلى توقع شفاء أضمن وأسرع.
ب ـ أسرى الحرب الذين تكون صحتهم العقلية أو البدنية طبقاً للتوقعات الطبية مهددة على نحوخطر إذا استمر أسرهم، ويمكن أن يمنع إيواؤهم في بلد محايد هذا التهديد.
وإيواء أفراد هذه الفئة في بلد محايد ليس إلزامياً كما يبدو من نص المادة (109). وبوجه عام يجب أن يعاد إلى الوطن أسرى الحرب الذين تم إيواؤهم في بلد محايد، ويتبعون إحدى الفئات التالية:
أ ـ الذين تدهورت حالتهم الصحية بحيث أصبحت تستوفي شروط الإعادة المباشرة إلى الوطن.
ب ـ الذين تظل حالتهم العقلية أو البدنية متدهورة بعد المعالجة.
ويتولى تحديد الأسرى الواجب إعادتهم إلى الوطن أو إيواؤهم في بلد محايد لجان طبية مختلطة، تعين عند نشوب الأعمال العدائية لفحص المرضى والجرحى من أسرى الحرب ولاتخاذ جميع القرارات المناسبة بشأنهم. وتشكل اللجان الطبية المختلطة من ثلاثة أعضاء، اثنان من بلد محايد، والثالث تعينه الدولة الحاجزة، ويرأس اللجنة أحد العضوين المحايدين، وتتولى ICRC تعيين العضوين المحايدين بالاتفاق مع الدولة الحامية وبناء على طلب الدولة الحاجزة. وإذا تعذر لأي سبب كان على ICRC أن تعين العضوين المحايدين، كان على الدولة الحامية أن تقوم بذلك.
ويمكن للجنة أن تقترح الإعادة إلى الوطن، أو الاستبعاد من الإعادة إلى الوطن، أو تأجيل الفحص لمرة قادمة. وتتخذ قراراتها بالأغلبية. وتبلغ هذه القرارات ـعن كل حالة بعينهاـ في الشهر التالي للزيارة إلى الدولة الحاجزة والدولة الحامية وICRC. وتخطر اللجنة كذلك كل أسير فحصته بالقرار المتخذ.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية لا تجيز استخدام أي أسير حرب أعيد إلى وطنه في الخدمة العسكرية العاملة (المادة 117 من اتفاقية جنيڤ الثالثة) ومع ذلك، فإنه حتى لو عاد ذلك الأسير إلى الخدمة العسكرية العاملة بالمخالفة للمادة (117)، وأعيد أسره ثانية فلا يكون مسؤولاً عن انتهاك المادة السابقة لأن دولته التي أعادته إلى الخدمة مسؤولة وحدها عن ذلك.
3ـ وفاة الأسير: ينتهي الأسر في حالة وفاة الأسير. وتلتزم الدولة الحاجزة تنظيم شهادة وفاة بموجب نموذج خاص مرفق بالاتفاقية. تتضمن معلومات شخصية عن الأسير المتوفى وسبب الوفاة وظروفها، ومكان الدفن، وتاريخه، وكيفية حفظ أدواته الشخصية، وتفصيلات كاملة عن الوفاة، ويصدق ضابط مسؤول على شهادة الوفاة.
4ـ الإفراج عن الأسرى بشرط التعهد: نظمت المادة (21) من اتفاقية جنيڤ الثالثة هذه الطريقة لإنهاء حالة الأسر، فأجازت إطلاق حرية أسرى الحرب بصورة جزئية (أي بالسماح لهم بالإقامة خارج معسكر الأسرى، ولكن مع وجودهم في إقليم الدولة الحاجزة) أو كلية (بما ينهي حالة الأسر) مقابل وعد أو تعهد منهم بقدر ما تسمح بذلك قوانين الدولة التي يتبعونها. ويتخذ هذا الإجراء بصفة خاصة في الأحوال التي يمكن أن يسهم فيها ذلك في تحسين صحة الأسرى. ولا يرغم أي أسير على قبول إطلاق سراحه مقابل وعد أو تعهد، على أنه على كل طرف في النزاع أن يخطر الطرف الآخر عند نشوب الأعمال العدائية بالقوانين واللوائح التي تسمح لرعاياه أو تمنعهم من قبول الحرية مقابل وعد أو تعهد.
ويلتزم أسرى الحرب الذين يطلق سراحهم وفقاً لهذه الحالة تنفيذ الوعد أو التعهد الذي أعطوه سواء إزاء الدولة التي يتبعونها أم الدولة التي أسرتهم. وفي مثل هذه الحالات تلتزم الدولة التي يتبعها الأسرى ألا تطلب إليهم أو تقبل منهم أي خدمة لا تتفق مع الوعد أو التعهد الذي أعطوه.
5ـ الإفراج عن الأسرى وإعادتهم إلى أوطانهم عند انتهاء الأعمال العدائية: قضت المادة (118) من اتفاقية جنيڤ الثالثة بأن يفرج عن الأسرى، ويعادوا إلى أوطانهم بعد انتهاء الأعمال العدائية الفعلية.
ونميز هنا بين حالة وقف القتال وبين حالة انتهاء حالة الحرب، فوقف القتال لا يعني بالضرورة إنهاء حالة الحرب بين الطرفين المتنازعين، إذ قد تبقى الحالة الأخيرة قائمة دون أن يصاحب ذلك عمليات عسكرية قتالية بين الطرفين. في حين تعني إنهاء حالة الحرب وقف العمليات العسكرية بصورة نهائية وعقد اتفاق سلام. ولأنه قد تمر فترة طويلة بين توقف الأعمال العدائية الفعلية وبين إنهاء حالة الحرب وعقد اتفاق السلام، فإن اتفاقية جنيڤ الثالثة قضت بوجوب الإفراج عن أسرى الحرب وإعادتهم إلى أوطانهم دون تأخير عند توقف الأعمال العدائية الفعلية.
ولا يشترط لقيام الدولة الحاجزة بالإفراج عن الأسرى المحتجزين لديها أن تقوم الدولة المعادية بالإفراج عن عدد مماثل لهم، إذ الأمر لا يتعلق بتبادل الأسرى، ولكن يرتبط أساساً بالتزام دولي يقع على عاتق كل دولة مختصة يجب عليها تنفيذه.
وتجدر الإشارة إلى أنه فيما يخص الأسرى الذين يقعون تحت طائلة الإجراءات القضائية بسبب جريمة جنائية يجوز احتجازهم إلى أن تنتهي تلك الإجراءات، وعند الاقتضاء حتى انتهاء العقوبة. وفي هذه الحالة تتبادل أطراف النزاع أسماء الأسرى الذين يتقرر احتجازهم حتى انتهاء المحاكمة أو تنفيذ العقوبة.