الهجوم الاسرائيلي الجديد على ايران: تقييم أولي بقلم: وليد عبد الحي

من الطبيعي في كل مواجهة عسكرية ان نواجه روايتين ، رواية المهاجم ورواية المدافع، ثم يتم البحث عن مؤشرات لتقييم الروايتين والربط بينهما ، وبعد ذلك يتم تقييم النتائج في ضوء فهم الروايتين.. وقد تتضح تفاصيل لاحقة تغير المشهد، وهو ما يجعلنا نسارع للإشارة الى ان التقييم الذي نقدمه هو تقييم أولي.
أولا الرواية الاسرائيلية:
1- قام الجيش الاسرائيلي- هذا اليوم- بمهاجمة حوالي عشرين هدفا ايرانيا .
2- نفذ الهجوم مائة طائرة حربية ( دون تفاصيل حول هذه الطائرات، والطائرات الحربية في العمليات العسكرية احيانا تكون بعضها قاذفة وبعضها مقاتلة وبعضها للتشويش على رادارات العدو ..اي ليس بالضرورة ان كل طائرة تساهم في ضرب الاهداف المحددة للهجوم).
3- التقييم الاسرائيلي ان العملية ” حققت اهدافها بنجاح”
4- جميع الطائرات الاسرائيلية عادت لقواعدها.
5- تابع نيتنياهو والقادة العسكريين الاسرائيليون الهجوم من ” ملجأ محصن”.
ثانيا الرواية الايرانية:
1- وقع الهجوم في ثلاث محافظات ايرانية
2- لم يكن بين الاهداف التي هاجمتها اسرائيل اي هدف نفطي او نووي
3- ان عدد الاهداف التي تعرضت للهجوم اقل كثيرا من عشرين
4- ان الهجوم الاسرائيلي لم يشمل اي هدف من اهداف الحرس الثوري
5- ان الاضرار الناجمة عن الهجوم كانت محدودة
6- سيعود الطيران المدني في ايران لنشاطه الطبيعي صباح اليوم
7- عرض صور الشوارع في طهران بشكل يوحي بعودة الحياة الطبيعية.
التحليل:
1- تشير اغلب الدلائل(من اغلب المصادر) الى ان المحافظات التي تعرضت للهجوم هي 3 محافظات هي طهران وخوزستان وايلام، وهذه المقاطعات تشكل في مجموعها حوالي 6.5% من مساحة ايران ، وهو ما يعني ان الهجوم محدود للغاية من حيث امتداده الجغرافي.
2- تدل كافة المعطيات ان الهجوم شمل اهداف عسكرية بحتة مثل مراكز الدفاع الجوي او مخازن التسلح او منصات اطلاق الصواريخ او مصانع عسكرية وبخاصة مصانع المسيرات العسكرية، وهو ما يعني تجنب تام للاهداف الاكثر حساسية مثل الاهداف النفطية من آبار او مصافي او موانئ شحن او ناقلات نفط…الخ ، او الاهداف النووية سواء المفاعلات او مناجم اليورانيوم او مراكز الابحاث او مراكز التخصيب .
ذلك يعني ان اسرائيل استجابت تماما للضغوط الدولية وللتقدير الاستراتيجي لخبرائها وهو ما يوضحه الكشف التالي::
أ‌- الولايات المتحدة التي نبهت ان الهجوم على الاهداف النفطية والنووية سيزيد بشكل كبير من احتمالات الحرب الاقليمية الواسعة التي ترى امريكا انها ” لا تريدها الآن لظروفها الداخلية(لحظة انتخابية) والخارجية( الانغماس في اوكرانيا واحتمالات استثمار الصين للانغماس الامريكي بعيدا عن شرق آسيا)، ناهيك عن اضطراب السوق النفطي سيدفع امريكا لاستخدام مخزونها النفطي لتغطية حاجة حلفائها ،مما يساهم حتى في رفع الاسعار داخل امريكا وفي لحظة انتخابية حرجة.
ب‌- الضغوط الاوروبية من احتمالات ارتفاع اسعار النفط نتيجة احتمال التوقف عن تصدير النفط الخليجي الذي يشكل 20% من احتياجات اوروبا ثم هناك عامل آخر وهو اضطراب التجارة الاوروبية الآسيوية في حالة اشتعال حرب اقليمية، وهو امر مكلف جدا للاقتصاد الاوروبي ناهيك عن آثاره على القدرة في الاستمرار في الدعم لأوكرانيا .
ت‌- يغطي النفط الخليجي بخاصة السعودي والايراني 50% من احتياجات الصين ، وهو امر تلتقي فيه مصالح الصين مع كل من اوروبا وامريكيا في منع الحرب الاقليمية.
ث‌- دول الخليج ومصر: تخشى دول الخليج ان تتسع الحرب بخاصة إذا تصاعد الموقف وتدخلت الولايات المتحدة مع اسرائيل ، فقد تكون القواعد الامريكية في المنطقة هدفا لايران ، وهو ما سيؤثر على الخليج الذي يمثل مجتمعات وبنيات هشة، وهو ما لاحظناه عند التحرش الخليجي باليمن.
اما مصر فان الحرب ستؤدي لمزيد من الجفاف في موارد قناة السويس والسياحة واحتمال عودة مئات آلاف العاملين المصريين في الخليج كما جرى في مشكلة الكويت، وهذه مصادر اساسية في دخل النقد الاجنبي لمصر.
3- يبدو ان التواضع الواضح في مستويات النجاح الاسرائيلي في جنوب لبنان ،والذي دفع اسرائيل طبقا لبعض المصادر لمناقشة احتمال انهاء العملية البرية في الجنوب، ناهيك عن تعثر اهداف نيتنياهو في غزة ، كلها مؤشرات على ان اسرائيل بدأت تشعر بمحدودية قدراتها، وبأن الاطمئنان لاستراتيجية الردع قد بدأ يتلاشى حتى من قبل اكثر استراتيجييهم رعونة.
4- الغريب ان الاهداف التي ضربتها ايران –طبقا للرواية الايرانية- لم تشمل اي هدف من مواقع الحرس الثوري ،وهو المؤسسة الاكثر رعاية لامن النظام والاكثر تشددا في الموقف من اسرائيل، وهو ما يشير الى حساب اسرائيلي بعدم استفزاز –في الظروف الحالية- هذه المؤسسة .
5- جاء في اعلان الجيش الاسرائيلي عبارة “ان الجيش يعتبر ان هجومه ورده على ايران قد اكتمل”، وهي عبارة توحي بشكل واضح ان هذا هو الرد الاسرائيلي على الهجوم الايراني قبل بضعة اسابيع ، اي وكأن اسرائيل تقول” كفى عند هذا الحد”.
6- نص البيان الايراني على :ان آثار الهجوم الاسرائيلي هذا اليوم ” محدودة وضعيفة”، وهي تقريبا نفس العبارة التي قالتها اسرائيل بعد الهجوم الايراني على اسرائيل في أول اكتوبر الحالي، وهو امر طبيعي ان يقلل كل طرف من آثار عمل الطرف المعادي ، لكن صور الاقمار الصناعية التي تداولتها وسائل اعلام مختلفة الأهواء اشارت الى ان حجم الآثار في الهجوم الايراني اكبر مما ادعت اسرائيل، وبالتالي فان الادعاء الايراني بضعف آثار الهجوم الاسرائيلي الحالي يبقى معلقا في انتظار المزيد من التفاصيل لنتاكد من صدق هذا الادعاء، مع الاشارة الى ان وكالة تسنيم الايرانية التي تقوم بنقل اغلب الاخبار عبر مصادرها ليست بالمصداقية الكافية للاطمئنان لأخبارها، وهو ما لاحظناه عليها في الاخبار التي تنقلها عن لبنان وبخاصة في فترة موجة الاغتيالات المعروفة.
7- لكن الضرورة تقتضي الاشارة الى ان عدد الطائرات الاسرائيلية المهاجمة (حسب التقديرات المتكررة) هو مائة طائرة ، لكنه لم يتم الاعلان عن اسقاط اي منها ، وهو ما يعني تفسيرين لا ثالث لهما:
أ‌- ان الاهداف التي تمت مهاجمتها هي اهداف ثانوية لا تتمتع بحماية كبيرة من الدفاع الجوي
ب‌- ان الطائرات الاسرائيلية متطورة الى الحد الذي عجزت الدفاعات الجوية الايرانية عن مواجهتها .
الخلاصة:
1- يبدو ان حلقة الرد والرد المقابل بين اسرائيل وايران قد بلغت حدود رضا كل من الطرفين عن انجازاته المحددة في هذه الضربات المتبادلة وجعل المنافسة تقف عند حد التعادل ، ولكن استمرار الصراع في غزة ولبنان وضربات الحوثيين الموجعة اقتصاديا(رغم تهوين الاعلام لها) واستمرار الهجمات العراقية قد تفتح نوافذ لعودة دورة الرد والرد المقابل،لكن ذلك لا ينفي ان الطرفين الايراني والاسرائيلي في مرحلة التقاط الانفاس.
2- من الواضح ان طبيعة ومستوى الرد الاسرائيلي الحالي يكشف وبشكل لا لبس فيه نهاية محاولات نيتنياهو لمناكفة الادارة الامريكية ،إذ ان الرد الاسرائيلي الحالي يتسق تماما مع تصريحات بايدن ووزير دفاعه وبعض بيانات البنتاغون والخارجية الامريكية ، بينما كانت لغة نيتنياهو “عالية النبرة بشكل حاد”، وهو موقف يتكرر لنيتنياهو في اغلب جولات هذا الصراع ، ومن يقرأ كتاب Paul Woodward الاخير وعنوانه “The war”(صدر قبل أيام) وبخاصة الجزء 47 من الكتاب يكتشف تراجع نيتنياهو عن تشنجاته إذا واجه الحزم، وهو ما اشرنا له في دراستنا عن سيكولوجية نيتنياهو قبل شهور.
3- يبدو ان الأرهاق الاسرائيلي اكبر مما تحاول تل ابيب أن تدعي، ولم تكن اسرائيل في وضع دولي حرج بمثل ما هي عليه الآن، لكني على يقين ان اسرائيل لم تفرغ كل ما في جعبتها ، لكن ايران ايضا تدير الصراع بقدر من الذكاء والروية …اما الطرف العربي فان موقفه لا يحتاج الى أدنى تفكير ، فينابيع الشجب والادانة وتقديم النصائح معين لا ينضب…انهم ملعب وليسوا لاعبين…ربما.
كاتب من الاردن
للاطلاع

مواضيع ذات صلة: