تمر اليوم 2 تشرين الثاني 2024، ذكرى وعد بلفور المشؤوم، الذي كان سبباً تاريخياً في احتلال فلسطين قلب الأمـة العربية النابض، والتي يحاول العدو الصهيوني وبدعم أميركي والغرب اليوم تصفية القضية الفلسطينية عبر عدوان فاشي ومحاولة تهجير قسري لسكانها ومواصلة جرائم إبادة جماعية تقوم على القتل والتدمير وتصفية الشعب الفلسطيني.
ففي الثاني من تشرين الثاني عام 1917 وجه وزير خارجية بريطانيا آنذاك آرثر جيمس بلفور رسالة إلى اللورد الصهيوني ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية بأمر من رئيس حكومته ديفيد لويد جورج، أكد فيها أن بريطانيا ستبذل كل جهدها لإقامة كيان صهيوني على أرض فلسطين، وذلك بعد محادثات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، استطاع خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهدافها والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
بريطانيا عرضت نص الوعد المعروف باسم /وعد من لا يملك لمن لا يستحق/ على الرئيس الأميركي توماس ويلسون ووافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسمياً عام 1918، ثم تبعتها موافقة الولايات المتحدة الرسمية والعلنية عام 1919، وبعد ذلك بعام وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي الـ 24 من تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في الـ 29 من أيلول 1923.
الفلسطينيون أصحاب الأرض الحقيقيون رفضوا الوعد المشؤوم من البداية، ولم يستسلموا للوقائع التي بدأ الاستعمار البريطاني بفرضها على الأرض أثناء احتلاله لفلسطين بين عامي 1920 و1948، عبر جلبه العصابات الصهيونية الإرهابية إلى أرض فلسطين، حيث خاضوا ثورات متلاحقة ضد الاحتلال البريطاني وضد هذه العصابات كان أولها ثورة البراق عام 1929 ثم ثورة 1936.
وبدعم من القوات البريطانية صعدت هذه العصابات إرهابها وارتكبت جرائم حرب وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين أسفرت عن تهجير 750 ألفاً منهم فقط خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 1948، وفي الـ 14 من أيار من العام ذاته أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب، ليعلن الصهاينة في اليوم التالي إقامة كيانهم الغاصب الذي ضمته الدول الكبرى إلى منظمة الأمم المتحدة، وذلك بعد تمريرها في الـ 29 من تشرين الثاني عام 1947 القرار الأممي رقم 181 الذي عرف بـ قرار التقسيم الجائر رغم رفض الفلسطينيين والدول العربية له.
التاريخ اليوم يعيد نفسه فالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، القوى التي خططت لإقامة كيان الاحتلال ودعمت إرهابه منذ وعد بلفور، مروراً بنكبة عام 1948 ونكبة عام 1967، وصولاً إلى الإبادة الجماعية اليوم لم تغير موقفها، وما زالت تكرر ادعاءاتها بالحرص على حقوق الإنسان في بيانات تستهدف فيها الدول الأخرى لزعزعة استقرارها، أما عندما يتعلق الأمر بـ “إسرائيل” فيصبح ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ حقوق الإنسان وجميع قواعد القانون الدولي حبراً على ورق، لتواصل محرقتها بحق الشعب الفلسطيني مدعومة بكل ما تطلب من مال وسلاح ودعم في مجلس الأمن وباقي المحافل الدولية، رغم المظاهرات الحاشدة التي تخرج بشكل شبه يومي في عاصمة وعد بلفور وباقي العواصم الغربية، للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أكثر من عام بدعم من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
رغم المجازر والتهجير وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، ورغم الاعتقال والتعذيب والحصار، يؤكد الفلسطينيون مواصلتهم النضال بكل قوتهم، للدفاع عن أرضهم وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وستبقى معركة طوفان الأقصى شاهداً على تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير المصير، وأنه لن يسمح بأي وصاية عليه أو بتكرار نكبة 1948، هو باق في أرضه، مقاوم حتى نيل حريته.
“وعد بلفور” المشؤوم، ذلك اليوم الأسود في تاريخ فلسطين العربية والأمة العربية وما زال الجرح الفلسطيني ينزف دماً من الوريد إلى الوريد جراء ارتكاب بريطانيا جريمة بشعة ظلماً وعدواناً بحق من له الحق بأرضه ووطنه.
جاء الوعد ممن لا يمتّون للأخلاق والقيم الإنسانية بأي صلة، ولا يمتلكون الحق والقرار بأن يعطوا الحق لمن لا يستحق الحق، واستطاع من لا يملك الوطن ولا يستحق هذا الوعد المشؤوم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وذلك بناءً على المقولة العنصرية المزيفة الذي قام بالترويج لها زعماء الحركة الصهيونية مثل إسرائيل رانغويل وثيودور هيرتزل” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” بهذا أقدمت دول الاستكبار العالمي على تنفيذ مخططها الشيطاني لإرضاء هذه العصابات الإجرامية لتكون جسماً عدوانياً مزروعاً بجبروت الغرب بالمنطقة ضاربة بذلك عرض الحائط كل القرارات الدولية والشرعية القانونية لملكية صاحب الأرض أبناء الشعب الفلسطيني العزل، وترتكب بحقهم أبشع الجرائم والكوارث في القرن العشرين ألا وهي الإبادة الجماعية والفردية وترحيلهم من ديارهم تحت قصف المدافع وصور الإرهاب والمآسي التي لا تزال ماثلة في ذاكرتتا.
ليدفع أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة هذا التآمر الاستعماري ضريبة حياة أبناء شعبه المعمدة بدماء الشهداء وتضحيات آلاف السجناء فاتورة مصالح شياطين الأرض وكل ذلك أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، مما قلد هذا الوعد الكيان المسخ حقاً باطلاً وغير شرعي في فلسطين والمجتمع الدولي يتحمل المسؤولية التاريخية والأخلاقية عن كل ما يترتب عن وعد بلفور.
تاريخ أسود للدول الاستعمارية الغربية وخاصة بريطانيا في مأساة الشعب الفلسطيني ونكبته المستمرة، يمتد من المؤتمر الأوروبي الاستعماري الأول الذي عقد في لندن عام 1840، وتبنى أكذوبة الصهيونية العالمية بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، مروراً بمؤتمر كامبل بنرمان الاستعماري في لندن أيضاً عام 1907، ثم وعد بلفور المشؤوم بعد 10 أعوام على هذا التاريخ، واليوم، تقف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لدعم كيان الاحتلال لقيام شرق أوسط جديد، تكون له الأغلبية والقوة في الهيمنة والسيطرة، ليعيد التاريخ نفسه.
107 سنوات مرت على وعد بلفور والذاكرة الفلسطينية والأمة العربية حبلى بذكريات مأساوية لا حدود لها في ممارسة أبشع صور الإجرام والإرهاب بحق أبناء الشعب الفلسطيني اتباعًا لسياسة الأرض المحروقة والتطهير العرقي وتغيير الواقع الجغرافي وبناء المستوطنات وإقامة الحواجز والجدار العازل وفرض الحصار وتبني سياسة التهجير الجماعي أو الفردي “الترانسفير” والقمع والتجويع والاعتقالات وهدم البيوت وابتلاع الأراضي ونهب أملاك الغائبين وسرقة المياه وطمس الحقائق التاريخية والسياسية والدينية وتهويد الأرض والمقدسات.