منذ ٥ اشهر طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، السيد كريم خان، بإصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوٱف غالانت، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة من الأرض الفلسطينية.
وقد أخذت المحكمة وقتها لإصدار مذكرات التوقيف، حيث يدخل التمهل في اصول عمل المحكمة، وفقا للمادة ٥٨ من نظام روما، أو النظام التأسيسي للمحكمة، بغية ترك المجال أمام الدول او الجهات التي ترغب في تقديم مذكرات مكتوبة أو توصيات أو ما لديها من معلومات لغرفة ما قبل المحاكمة التي تقوم بفحص الأدلة المقدمة من المدعي العام، وهذه المهلة ليست محددة.
إن إصدار مذكرات التوقيف، ذو قيمة قانونية ملزمة لجميع الدول الأعضاء، المنضمّة لمعاهدة روما، والتي يفترض بها ان تنفذ قرار المحكمة القاضي بتوقيف رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير دفاعه غالنت، وذلك فور تمكنها من ذلك.
ولا يمكن تعطيل قرار المحكمة إلا في حال كانت قد فتحت محاكمة ضد نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، أي بنفس التهمة المعروضة على المحكمة الجنائية الدولية، وهذا الأمر لم يحصل حسب علمنا، وبالتالي، فإن مذكرة التوقيف من قبل المحكمة الجنائية تبقى سارية المفعول.
أمام نتنياهو سبيل واحد للدفاع عن نفسه، وهو الحضور أمام المحكمة في لاهاي، أي تسليم نفسه أو تسليمه من قبل دولة عضو، حيث يتمكن من تقديم طعن في قرار المحكمة، مشفوعا بالقرائن التي تنفي عنه التهمة، وهذا لن يستطيعه لأن جرائمه الفظيعة المقترفة ماثلة للعيان، سواء للقضاة أو لعامة الناس، وبالتالي لا يمكن دحضها.
يبقى أمام نتنياهو الطرق السياسية او الفعلية، وهو الطلب من الولايات المتحدة ان تضغط لتعطيل تنفيذ قرار المحكمة، او ان يتم ذلك بأيدي إسرائيلية بكيفية ما، وقد بدأت تصدر التهديدات ضد المحكمة وقضاتها والجهات التي كانت وراء القرار القضائي. وفي حال تم الاقدام على أي عمل ضد المحكمة او المدعي العام أو أي مسؤول في أي دولة كانت وراء القرار، فستكون جريمة مضافة لن ينجو منها الفاعلون.
أما من حيث تنفيذ مذكرة التوقيف، فإذا لم يسلم كل من نتنياهو وغالانت نفسيهما طوعا، فإن على الدول، الأعضاء، في المحكمة الجنائية الدولية أن تلتزم بقرار المحكمة، وقد عبرت أكثر من دولة حتى الٱن عن احترامها للقرار القضائي الصادر، وصرحت عن استعدادها لتنفيذه، من بينها هولندا وإيرلندا وفرنسا ولندن، كما تراجعت إلمانيا عن طعنها السابق بقرار المحكمة. وللعلم فإن كل دول الاتحاد الأوروبي منضمّة لنظام روما، ما يلزمها بقرارات المحكمة، وإلقاء القبض على كل من نتنياهو وغالانت فور دخولهما أراضيها. وهذا الأمر يجب أن تلتزم به كل الدول الأعضاء في المحكمة، وعددها ١٢٤ دولة.
الولايات المتحدة لم تنضم الى معاهدة روما، ولا تلتزم بقرارات المحكمة، وقد صدر اكثر من تصريح من سياسييها يدين مذكرات التوقيف بحق المسؤولين الإسرائيليين.
من ناحية ثانية، إن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، سيكون لها أثر إيجابي على القرار الذي سيصدر عن محكمة العدل الدولية، والذي يتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، كون المحاكم تستنير باجتهادات وأحكام بعضها البعض.
سيفتح القرار الباب لتقديم الشكاوى، أمام ضحايا الجرائم، سواء من وقعت عليهم بصورة مباشرة، أو على أفراد عائلاتهم، أو بصورة غير مباشرة، إذ أن الجرائم ضد الإنسانية يتضرر منها أي شخص، وليس فقط من وقعت عليه.
ستطال الدعاوى كل من ارتكب جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين، بصورة مباشرة، بالمشاركة أو المساعدة، أو التحريض على ارتكابها، سواء بالأفعال أو الكلام. وسيشمل ذلك أفراد القوات المسلحة وقادتها، خاصة قائد الجيش ورئيس الأركان وفقا للتسلسل، وكذلك السياسيين كالوزراء الذين صرحوا بضرورة إبادة الفلسطينيين، أو تعذيبهم أو تجويعهم، أو طردهم من بيوتهم او مناطق النزوح مرات عديدة، أو من انتهك حرمة الأسرى، أو من شارك في تدمير البيوت وتخريبها، أو المؤسسات المدنية، خاصة المستشفيات والمدارس ودور العبادة، أو أي هدف مدني ٱخر.
سيفتح القرار المجال لمحاسبة من زود إسرائيل بالأسلحة خاصة الأسلحة الفتاكة والمحرّمة دوليا، أو أي مساعدات ساهمت في حصار وتجويع الفلسطينين، بدل أن يفرض عليها الحصار لتكفّ عن انتهاك القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان.
أما على صعيد الدول، فستكون الدعوة المقامة ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إلابادة الجماعية ضد الفلسطينيين، أمام محكمة العدل الدولية، فرصة لمحاسبة الدول التي شاركت وساعدت وزودت بالأسلحة أو أي مساعدات مكنت دولة إسرائيل في ارتكاب الجرائم والتمادي بها، والإستمرار في ارتكابها، بدل محاصرتها لثنيها عن ذلك، كما ينص القانون الدولي العام.
بالنهاية، إن صدور مذكرات التوقيف من قبل قضاة المحكمة الجنائية الدولية ضد مسؤولين إسرائيليين، يشكل سابقة من نوعها، ويبشر بالخير فيما يتعلق بمحاسبة ومعاقبة قادة إسرائيل، الدولة الخارجة عن القانون الدولي، الذي كان في أصل تأسيسها. وسيكون لذلك أثرا إيجابيا كبيرا على الرأي العام العالمي، فيما يتعلق بمصداقية العمل الجنائي الدولي، والمؤسسات الدولية، والأمين العام للأمم المتحدة، الذي كان لما صرح به حول خرق إسرائيل للقانون الدولي أهمية كبيرة، كذلك الأمر فيما يتعلق بمسؤول الأونروا، ومسؤولة مكتب حقوق الانسان في غزة، وخاصة قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر في العام ٢٠٢٤، بحق إسرائيل، والذي تضمن التأكيد على وضع الإحتلال غير الشرعي، للأرض الفلسطينية، وطلب من دولة الاحتلال أن تنسحب من كامل الأرض الفلسطينية في مهلة عام من تاريخ صدوره.
أحلام بيضون
بيروت، في ٢١/١١/٢٠٢٤