كم هي مقززة ومقرفة المواقف العمياء للرئيس الأميركي جو بايدن، التي تعبّر عن مدى انحطاط الأخلاق السياسية والإنسانية، لرئيس دولة عظمى قاهرة ظالمة، مستبدة، لا تنفكّ تعطي الدروس للعالم، وتطالبه باحترام وتطبيق مبادئ الحرية والعدالة، والديمقراطية، وحقوق الانسان!
رئيس جاهر بصهيونيته مراراً، وانبطاحه وتزلّفه، لدولة الإرهاب ومجرم حربها.
بعد ان أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه السابق غالانت، على ما ارتكباه من جرائم ضدّ الإنسانية، وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
بايدن الذي يستعدّ لمغادرة البيت الأبيض دون أسف عليه، والذي على مدار أربع سنوات من ولايته، لا سيما في السنة الأخيرة من حكمه، وأثناء العدوان «الإسرائيلي» على قطاع غزة ولبنان، لم يتوقف عن تزويد «إسرائيل» بالمال والسلاح، ودعمها سياسياً وعسكرياً، ودبلوماسياً، وإعلامياً، غير عابئ بشكل فاضح، قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالفلسطينيين واللبنانيين، بغضّ النظر عما ترتكبه دولة الاحتلال من مجازر، وإبادة جماعية، وجرائم حرب.
بايدن هذا، لم يرق له قرار محكمة الجنايات الدولية بحق مجرمي الحرب في تل أبيب، إذ انبرى بكلّ صلف ليقول «إنّ قرار الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الاسرائيلي ووزير الحرب السابق غالانت أمر مشين»!
لم يقبل بايدن مذكرة الاعتقال هذه، لكن في المقابل اعتبر الرئيس الأميركي صاحب «الضمير الحر والإنساني، والأخلاقي» أنّ مذكرة الاعتقال الصادرة عن محكمة الجنايات الدولية بحق الرئيس الروسي بوتين مبرّرة، و»أنّ بوتين ارتكب بوضوح جرائم حرب»!
أعمى البصيرة تغاضى بكلّ وقاحة وانحياز، عما فعله ويفعله الجيش «الإسرائيلي»، الذي بجرائمه الهمجية، قتل وجرح أكثر من 150 ألف فلسطيني.
جرائم زلزلت ضمير المجتمع الدولي، بحيث انّ شعوب العالم وغالببة دوله لم تعد تفرّق وتميّز بين هتلر القرن العشرين، وهتلر «إسرائيل» القرن الواحد والعشرين.
كلاهما تجمعهما مواصفات وعناصر مشتركة ترتبط بجرائمهما ضدّ الإنسانية، ونزعتهما العنصرية إلى أبعد الحدود، وتشبّعهما بعقيدة استعلائية تستند الى التفوّق العرقي، وشهيّتهما على الاحتلال والسيطرة، والتوسع، والقتل، والتدمير، والإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
إنّ انحياز الولايات المتحدة الأعمى الى جانب «إسرائيل»، ودعم رئيسها بايدن لها دون تحفظ، لهو دليل قاطع على انغماس واشنطن في حرب الإبادة مع نتنياهو، وإصرارها على الدفاع عنه، ودعمه، وتعطيل أيّ قرار أممي يطال «إسرائيل» في الشكل والأساس، وعرقلة أيّ حلّ لوقف الحرب في غزة ولبنان، إنْ لم يكن هذا الحلّ يرضي مسبقاً مجرم الحرب ويحقق أهدافه.
لقد استطاعت اللوبيات اليهودية ان تمسك برقبة صنّاع القرار في الولايات المتحدة، وتلزمهم على الانصياع لإرادتها، ولصالح «إسرائيل».
ها هو السيناتور ليندسي غراهام عضو الكونغرس الأميركي، يندّد بمذكرة اعتقال نتنياهو، ويهدّد بتدمير اقتصادات دول أوروبية اذا ما حاولت تطبيق قرار محكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو. وقال «إننا نعمل على تمرير قانون لفرض عقوبات اقتصادية على ايّ دولة تساعد على اعتقال ايّ سياسي اسرائيلي»!
هذه هي حقيقة سياسة أميركا ورؤسائها حيال شعوب المنطقة منذ عام 1948 وحتى اليوم. سياسة لا تأخذ بالاعتبار سوى مصالحها ومصالح «إسرائيل»، دون ان يرفّ لها جفن، إزاء ما تشاهده من مآسٍ، وحروب، واحتلال، وويلات، ومجازر، ومصادرة الأراضي، وتهجير السكان من أرضهم، والاستيلاء عليها، والعمل على قضمها وضمّها.
سياسة واشنطن ووقوفها المطلق الى جانب «إسرائيل» وقادتها، هو الذي أجّج الحروب وزعزع الاستقرار، وقوّض الأمن، وأطاح بفرص السلام في المنطقة، لأنّ أهداف واشنطن وتل أبيب، أهداف استراتيجية مشتركة، ترمي الى التخلص من أية حركة مقاومة، أو أيّ نظام دولة في المنطقة يشكل عقبة لسياستهما ومصالحهما، ومشاريعهما التي تؤدّي الى تعزيز نفوذهما السياسي والأمني في الشرق الأوسط، والتحكم بقرارات دوله والسيطرة على ثرواتها واستغلالها.
لو كان الرئيس الأميركي بايدن حريصاً فعلاّ على السلام وحرية الشعوب، ولو كان يحترم بالفعل مبادئ الثورة الأميركية وقيَمها التي على أساسها تأسّست الولايات المتحدة، ولو كان في نيته وقف الحرب وتحقيق السلام القائم على العدل، لفعَل ذلك دون تردّد. لكن بايدن، اليانكي الأميركي، أسوة بالرؤساء الأميركيين السابقين، لم يفعل ذلك، وهو الذي يقود دولة هدفها الأول تحقيق مصالحها، وإنْ أدى ذلك الى الاستغلال، والاستبداد، والهيمنة على العالم. دولة ليست إلا على شاكلة دول الاستعمار القديم التي سيطرت لقرون، ونهبت واستبدّت، وقهرت معظم شعوب العالم.
أية وساطة نزيهة شريفة، شفافة، ذات صدقية ننتظرها بعد ذلك من واشنطن؟! وأيّ حلّ عادل لوقف العدوان والمجازر الإسرائيلية المتواصلة على غزة ولبنان ستسير به!
لا تنتظروا خيراً من الولايات المتحدة طالما أنّ انحيازها لـ «إسرائيل» لن يتوقف، ودعمها لمجرمي الحرب ينبع من سلوك قبيح، وموقف مشين لا رجوع عنه!
الحلّ العادل الذي يريده أصحاب الحق لا يأتي من واشنطن، ولا من مجرم الحرب الذي تلاحقه مذكرة الاعتقال، وإنما يأتي من الميدان. وأيّ حلّ لا يأخذ بالقرارات الأممية ذات الصلة، ولا يصون حقوق الفلسطينيين، واللبنانيين ولا يلزم «إسرائيل» بالانسحاب مما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة، يعني انّ السلام والاستقرار في المنطقة مستحيل، لأنّ استمرار الاحتلال ببقي المنطقة على بركان نشط، معرّض في أيّ وقت للانفجار!
متى تقتنع واشنطن والأمم المتحدة ومجلس أمنها بهذه الحقيقة المرة لتلافي الحروب، وتحقيق السلام القائم على الحق والعدل!
ربما يحصل هذا، بعد ان تتخلص الولايات المتحدة من الأخطبوط الصهيوني الذي يقبض على رقبة البيت الأبيض والكونغرس الأميركي، وهو أخطبوط فاعل ومؤثر جداً داخل الدولة العميقة…!
*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق