بعد 14 شهراً من حرب الإبادة المستمرة، لا يزال سكان قطاع غزة يطرحون السؤال التقليدي عن الأسباب المنطقية التي تحيط بالكثير من عمليات الاغتيال. عمليات كان آخرها تصفية طبيب معروف تاريخه، مثل دكتور العظام الوحيد في المناطق المحاصرة في شمال غزة، سعيد جودة، الذي قُتل قنصاً بطلق من سلاح مثبت أعلى دبابة، وهو في طريقه لإجراء عملية لأحد المصابين في مستشفى «العودة»، فيما ذُبحت عائلة الصيدلاني المعروف، محمود الشيخ علي، ومعها 25 نازحاً من الجيران، في مجزرة كبرى في مخيم النصيرات وسط القطاع، مساء أول أمس. وقبل ذلك، استشهد الآلاف من الأطفال والنساء، بمبرّرات فارغة، وأحياناً كثيرة من دون أي مبرّر. أما في الشارع، فإن السؤال عن اغتيال هؤلاء، يبقى مشروعاً في محاولة استجلاء منطق القتل لدى جيش يمتلك واحدة من أكثر منظومات المراقبة دقة وحرفية في العالم، تؤهّله لقنص الهدف بطلقة واحدة، أو بصاروخ ذكي يغافل الهدف وهو في غرفة نومه وسط مخيم يضيق بمئات الآلاف؛ فلماذا يتقصّد العدو إذاً أن يقتل الآلاف مع الهدف المتجسّد في شخص واحد؟
الإجابة على السؤال، يقدّمها ذوو وأصدقاء الجنود الإسرائيليين القتلى الذين خدموا في القطاع، من دون خجل ومواربة: القتل لأجل القتل، بل والتلذّذ بقتل الفلسطينيين بغرض التشفّي. هذا ما أكّده صديق أحد الجنود الذي يُدعى أفرام في مجموعة «واتس آب» حين قال إن «أفرام خرج إلى هذه الحرب برغبة هائلة لرفع شأن شعب إسرائيل. كان سعيداً جداً بالدخول إلى غزة وقيادة الهجمات. أراد أن يتمكّن من القتل والانتقام، وتدمير أكبر قدر ممكن، لكي يفهم العالم كله ما يحدث لمن يتجرأ على المساس بشعب إسرائيل». ويضيف: «قال لي في البداية إنه قرّر أن يحصي عدد قتلاه، كان يعدّ من يقتلهم عبر إطلاق النار والقذائف والدهس، لكنه قرّر لاحقاً أن لا يحتسب من يقتلهم بالقذائف، وأبلغ فريقه أنه سيتوقف عن الدهس وسيقتل فقط باستخدام الرشاش الثقيل ألمغ، لأنه سئم من تنظيف وإزالة الأيدي والأرجل والأعضاء العالقة بجنازير الدبابة». ويكمل صديق الجندي أفرام حديثه بالقول: «بعد فترة، وصل إلى عدد 30 قتيلاً، قبل أن يتوقف عن العدّ».
وبمراجعة المجموعة التي تحمل اسم «أخبار التلال»، يتبين أن تلك الرواية حصدت المئات من المشاركات والإشادات.
وأمس، كان استمراراً لمسلسل القتل، إذ ارتكبت طائرات الاحتلال مجزرة كبرى في مخيم النصيرات وسط القطاع، تسبّبت باستشهاد 30 مواطناً وإصابة العشرات. كما نفّذت الطائرات المُسيّرة 17 غارة استهدفت تجمعات المواطنين في كل مناطق القطاع، كان نصيب مناطق شمال وادي غزة منها هو الأكبر، إذ اغتال جيش العدو المصوّر الصحافي، شادي السلفيتي، في منطقة الصناعة وسط مدينة غزة. كما قتل ثلاثة مواطنين في شارع النصر، وأربعة آخرين في شارع عمر المختار. أما في المناطق المحاصرة، فتعرّض مستشفى «كمال عدوان» لإلقاء قنابل متفجّرة تسبّبت بإصابة ثلاثة من الكوادر الطبية، في حين نفّذ جيش العدو المزيد من عمليات نسف المباني في محيط المستشفى. ونشر الإعلام العبري، أمس، صورة جوية تظهر حجم الخراب الذي لحق بمخيم جباليا، الذي دمّر الاحتلال كل مبانيه وطمس معالمه بشكل كلي.