نحو إعتماد ثالوث المقاومة والمقاطعة والملاحقة بقلم : الدكتور عصام نعمان

نشرت في جريدتي “القدس العربي” (لندن) و”البناء” (بيروت)
بتاريخ 2024/9/23

نحو إعتماد ثالوث المقاومة والمقاطعة والملاحقة
د. عصام نعمان
الحرب كرّ وفرّ . يوم لك ويوم عليك . خلال 72 ساعة تمكّنت “اسرائيل” من مفاجأتنا بثلاثة ايام كانت علينا. اليوم الأول كان الثلاثاء الماضي . خلاله شنّت “اسرائيل” هجوماً سيبرانياً واسعاً إستهدف عشوائياً الآف المقاتلين في المقاومة من حاملي جهاز النداء بايجر Pager والى جانبهم عدد مماثل وربما أكبر من المدنيين الذين صُودف وجودهم في محيط حاملي أجهزة النداء أينما كانوا. اليوم الثاني كان الأربعاء الماضي. خلاله إستهدفت “اسرائيل” سيبرانياً وعشوائياُ ألافاً من حاملي أجهزة لاسلكية ، مقاتلين ومدنيين ، في مختلف المناطق. اليوم الثالث كان الجمعة الماضي . خلاله استهدفت طائرات “اسرائيل” الحربية بتركيزٍ ملحوظ مبنيين في ضاحية بيروت الجنوبية كان يُعقد في أحدهما اجتماع لقياديين من قوة الرضوان ما تسبّب بإستشهاد قائد القوة المجاهد الكبير ابراهيم عقيل مع كوكبة من رفاقه .
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إعترف بهدؤ ورصانة بفعالية الضربة غير المسبوقة في اليومين الاول والثاني ، لكنه اكّد انها لم ولن تُسقط المقاومة، وتوعّد العدو الصهيوني “بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب ، فالخبر هو في ما سترون لا في ما ستسمعون”. لكنه لم يعلّق حتى كتابة هذه السطور على حَدَث اليوم الثالث ، لعله ترك للميدان فرصة الحديث نيابةً عنه .
من مجمل ما أعلنه قائد المقاومة في لبنان ومما يتبدّى في مشهدية الصراع بكل أبعاده المحلية والإقليمية والدولية ، يمكن استخلاص الواقعات والتوجّهات الآتية :
أولاً : لا تراجع في عمليات جبهة الإسناد اللبنانية نصرةً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بل ثمة توسيع لرقعتها ومفاعيلها بحيث تشمل المزيد من مستعمرات العدو وقواعده العسكرية في عمق الشمال الفلسطيني المحتل كما في الجولان السوري المحتل .
ثانياً : ثمة تصميم على متابعة حملة تحقيق واسعة في وقائع وملابسات وأدوات وبرمجيات الهجوم السيبراني والآخر العسكري تتناول اجهزة النداء السيبراني Pager ، مصدراً وتصنيعاً وتفخيخاً ونقلاً وتسويقاً. كلُ ذلك بقصد الإحاطة بدقائق التصنيع والتفخيخ وتوقيت التفجير، وإستخلاص النتائج والعِبَر ليصار في ضوئها الى وضع خطة متكاملة لمراقبة الأجهزة السبيرانية وحماية مستعمليها.
ثالثاً : عدم الإنجراف في عاصفة ردود الفعل الغاضبة والداعية الى إستعجال الثأر من العدو وذلك بضبط النفس وإعتماد الصبر الإستراتيجي بغية إعداد الرد المناسب على العدو بالتنسيق مع سائر اطراف محور المقاومة .
رابعاً : الإستمرار في تكثيف عمليات المقاومة المنطلقة من جبهات الإسناد اللبنانية والعربية الى حين تسليم العدو بوقف حرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية.
خامساً : الأخذ في الحسبان دائماً ان قوى المقاومة والحركات النهضوية العربية تقاتل وتواجه عدواً صهيونياً عظيم المطامع مدعوماً من الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي ، ويمتلك قدرات عسكرية وتقنية كبيرة ولا يلتزم بأي أخلاق او قيم إنسانية او قوانين دولية رادعة ، ولا يقيم وزناً او إعتباراً لأي شعب غير اليهود بما هم، بحسب اللاهوت التوراتي، “شعب الله المختار” الامر الذي يدفع قوى المقاومة اللبنانية خاصةً والعربية عامةً الى إعتماد منهجية السيد حسن نصرالله التي أعلنها مراراً وهي أنه في حال الحرب الشاملة “سنقاتل من دون ضوابط او سقوف او حدود”.
في ضوء هذه الواقعات والتحوّلات ، كيف يمكن ان يكون ردّ المقاومة في لبنان ، منفردةً او متعاونةً مع مختلف اطراف محور المقاومة في الإقليم ؟ متى يأتي يومٌ قريب لنا وليس علينا ؟
بكثيرٍ من الإحتراس والموضوعية والتدقيق ، أستشرفُ الردّ المنتظر في ضوء الحقائق والأسس الآتية :
• إمتلاك العدو الصهيوني قدرات عسكرية وتقنية كبيرة ، خصوصاً في ميدان الأمن السيبراني والإستخبارات .
• تزايد إعتماد الدول المتقدمة ، لا سيما “اسرائيل” ، على التحوّل الرقمي ما يؤدي الى تعاظم مخاطر الأمن السيبراني ، وضرورة التحوّط مما تُحدثه الهجمات السيبرانية من مخاطر وخسائر.
• ثبوت مزايا الإعتماد على الصواريخ الباليستية بعيدة المدى الناقلة لحمولات ثقيلة من القنابل القادرة على تدمير أهداف واسلحة استراتيجية محصّنة او مخزّنة في باطن الجبال.
• ضرورة إمتلاك دفاعات جوية عالية الكفاية ضد الطائرات الحربية والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى والمسيّرات المتطورة القادرة على تفادي مقذوفات الدفاعات الجوية .
• ضرورة إمتلاك ملاجيء وتحصينات كافية لحماية القيادات كما السكان في شتى انحاء البلاد ، ولاسيما في المدن الكبرى .
بقدْر ما تمتلك قوى المقاومة العربية من المزايا والقدرات سالفة الذكر ، أرى ان الردّ الأفعل للمقاومة وتوقيته الأمثل ، يكونان ويأتيان نتيجةَ جُماع المزايا والفوائد المكتسبة من تجارب ثالوث المقاومة والمقاطعة والملاحقة على النحو الآتي :
– المقاومةُ بما هي توليف لمقاتلين مدرّبين ، وقدرات عسكرية وتكنولوجية وسيبرانية متقدمة ، ومعلومات إستخبارية واسعة ودقيقة .
– المقاطعةُ بما هي منظومة متكاملة من معطيات ومناهج وتطبيقات ادارية وميدانية تنفيذاً للإمتناع عن شراء وأستهلاك منتجات وبضائع الدول المساندة والمتحالفة مع العدو الصهيوني ، على ان تعتمد أجهزة المقاطعة بالدرجة الاولى على أجيال العرب الأحياء والقوى الحيّة الحرّة في الأمة التي يستعصي على اهل السلطة الخاضعين لقوى الهيمنة الخارجية المعادية السيطرة عليها.
– الملاحقةُ القضائية المتواصلة للمسؤولين الرسميين وغير الرسميين الفاسدين والمتواطئين والمتعاملين مع قوى الهيمنة الخارجية امام المحاكم الوطنية ، وخصوصاً امام محكمة الجنايات الدولية .
غنيّ عن البيان ان إنتظام عمل وفعالية برامج وآليات هذا الثالوث المطلوب إعتماده قد يتطلّب وقتاً طويلاً ، وأن توافر مزاياه وفعاليته قد يكون متفاوتاً . لذا من المنطقي ان تواجه قيادة المقاومة السياسية والعسكرية المحلية لأحد أطراف محور المقاومة ، او القيادة العليا لأطراف محور المقاومة جميعاً ، تحدياً خطيراً ماثلاً او ظرفاً يمور بمخاطر إستثنائية فتكون مضطرة ، والحالة هذه ، الى التحرك سياسياً وميدانياً بسرعة ٍ لدرء الخطر وشلّ العدوان بالإقدام على ضرب العدو في عمقه الإستراتيجي ، سيما وأن بعض أطراف محور المقاومة يمتلك صواريخ باليستية بعيدة المدى ذات قدرات تدميرية هائلة .
في مطلق الأحوال : الرأي قبل شجاعة الشجعان ، هو اول وهي المحل الثاني .
issam.naaman@hotmail.com

مواضيع ذات صلة: