زينب سلوم
تواصل مؤسسات عديدة إتاحة منابرها للشخصيات والقامات العلمية والقانونية والثقافية لرفع الصوت عالياً ضدّ ممارسات قوى الاستكبار العالمي وقاعدتها المزروعة في قلب الوطن العربي النابض، وذلك بهدف المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنه.
وتجتهد في هذا المضمار جامعة الأمة العربية في عقد فعاليات تصبّ في خانة فضح الكيان الصهيوني وحكومته الأشدّ تطرفاً، وليس آخر تلك الفعاليات إقامة محكمة عدل شعبية عربية لمحاكمته على جرائمه الفاشية ضدّ شعب غزة إبان عدوانه المتواصل بأبشع الأشكال، وخرقه لكل القوانين والقواعد الحقوقية والإنسانية بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث، حيث يواصل هذا الكيان تحديه العالم والمجتمع الدولي كأداة بيد الغرب تحاول تطويع العالم لتقبل الفكر الاستعماري بصدر رحب في كل مكان قد يتم اختياره لنهب ثرواته وتشويه إرثه الحضاري والتاريخي والقيمي، واستعباد شعوبه لصالح الشركات الغربية ومجمعاتها العسكرية.
إن هذه المحاكمة الشعبية تصبّ في خانة دعم النضال الميداني لمحور المقاومة من غزة إلى سورية ولبنان واليمن والعراق، وصولاً إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتمتد إلى كل جبهات الأحرار والشرفاء إينما وجدوا في هذا العالم، والذين خرجوا بالمظاهرات ضدّ لا إنسانية “إسرائيل”، وإلى زعماء وحكومات العالم الذين قاطعوها وطردوا سفراءها من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا، وانضموا إلى محاكمتها أمام “العدل الدولية” لتعرية ما تقوم به من وحشية ليس فقط بحق الغزاويين، بل بحق الإنسانية جمعاء وبحق قيمها وأديانها وضميرها الحي، للتأكيد بأن هذه الجرائم لم ولن تمر دون خطوات تبدأ بالسياسة والإعلام وملاحقة متزعمي هذا الكيان المجرمين على مستوى العالم.
هذه المحكمة الشعبية تأتي تصويباً لبوصلة الشعوب العربية نحو النضال، ودعم لخطوات سابقة أرساها بقوة “طوفان الأقصى” الذي أعاد النبض والحياة والزخم لقضية العرب المركزية، فمن شأن هذه الخطوة التي جرت على الصعيد القانوني الحفاظ على وعي الأجيال، ولا سيما الأجيال الشابة نحو عدوهم وأهدافه الخبيثة السرطانية، والذي كان يراهن على نسيان العرب للقضية الفلسطينية لتمرير المزيد من مخططات القضم والاستيطان، من خلال جنوحه نحو “التطبيع المجاني”…
لقد ارتكزت جامعة الأمة العربية على الوعي العربي على الصعيد الشعبي لتعزيزه، مستندة إلى فشل أي خطوة أو مشروع تطبيعي على المستوى الشعبي العربي حتى اللحظة، ومنطلقةً من ضرورة حشد طاقات هذه القوى الشعبية والمنظمات غير الرسمية العربية وتوحيدها على نطاق واسع المستوى بالاتجاه الصحيح الذي يضمن لهم تحقيق النصر والنجاة بدلاً من الضعف والاستكانة في وجه محتل طامع لا يعرف إلا لغة القوة، ولا ينطق إلا بالأكاذيب تحت شعار “السلام” الذي ثبت أنه سلام مجاني دون أي مقابل أو ضمانات عبر ثلاثة عقود ونيف من إبرام “أوسلو”.
كذلك فإن جلسات ومرافعات المحكمة الشعبية التي أعدها طلاب الدراسات العليا في القانون الدولي من جامعات عربية لقضاة من مختلف أرجاء الوطن العربي تشكل محفزاً لهم للدفاع عن غزة، وعن كل الوطن العربي وقضاياه العادلة، أمام المؤسسات والمحافل الدولية، بالتوازي مع تشجيع البحث العلمي الحقوقي من خلال منح جائزة للمرافعة الأفضل ضدّ جرائم الصهيونية… هذه الخطوات بالتأكيد ستحفز خطوات النضال الشخصي للشبان لكي تصب في بوتقة العمل الوطني والقومي الذي سيعمل على التأثير في الرأي العام العربي والعالمي بصورة أكثر فعالية بعد البناء على أسس ثقافية وعلمية راسخة ومتينة يصعب تفنيدها من أي قوى وماكينات إعلامية مدفوعة الأجر من الغرب الجماعي.
حتى أحكام هذه المحاكة الشعبية ستصدر باسم الشعب العربي مكللةً بتضحيات ودماء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية المحتلة، لإلزام المنظمات الدولية ذات الشأن للتحرّك ووقف تلك المجازر، وملاحقة مجرمي جيش الاحتلال ومتزعمي حكومته المافيوية، وإنزال أشدّ العقوبات بهم، والتصدي للغطاء القانوني والسياسي غير المسبوق المقدم لأولئك المجرمين من ساسة المحور الأنغلوساكسوني الذين لا يهمهم سوى بث القيم الغربية المادية وأبشع الصور المتوحشة لليبرالية الحديثة.
توجه المحاكمة الشعبية التي قامت بها جامعة الأمة العربية وصمة العار إلى المجتمع الدولي الذي سكت على تعطيل نصوص القانون الدولي برمته، وتعطيل عمل المنظمات الدولية، وعلى سيطرة الغرب على أحكام محكمة العدل الدولية، بعد أن عطل ساسته مجلس الأمن وجيّروا قراراته لصالح ما يخدمهم سواءً في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر يقول “لا للإمبريالية”، ووصمة العار هذه ستكون قوية لأنها استندت إلى نصوص القانون الدولي الذي لم يشرّع ويتم الاتفاق عليه إلا ضمانةً للعيش السلمي العالمي، والذي لن يتحقق في الشرق الأوسط والعالم، إلا بعد منح الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، وبإيقاف فوري لكل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة قبل حدوث ما لا تحمد عقباه.