التدابير الوقتية تشمل أعمال المنع والقمع!

المستشار حسن أحمد عمر

مما لا شك فيه أن جريمة الإبادة الجماعية التى ارتكبتها إسرائيل، بتحريض وتآمر ومشاركة أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ضد الشعب الفلسطينى عامة، وأبناء قطاع غزة خاصة، وقاطنى رفح على وجه الخصوص، تستوجب اتخاذ أعمال المنع والقمع المنصوص عليها فى المادتين 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك باعتبارها تنفيذا للتدابير المؤقتة التى أصدرتها محكمة العدل الدولية فى جلسة الجمعة 26 يناير 2024 عملا بحكم المادة 41/1 من النظام الأساسى للمحكمة، والتى يتم إبلاغها على الفور للأطراف ولمجلس الأمن.

ولدينا أن تلكم التدابير المؤقتة ليست موجهة ضد إسرائيل وحدها، وإنما هى موجهة لكل الدول الأعضاء فى اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وذلك إعمالا لصريح نص المادة الثامنة من اتفاقية منع الإبادة والمعاقبة عليها، على أن تنص على: لأى من الأطراف المتعاقدة أن يطلب إلى أجهزة الأمم المتحدة ان تتخذ طبقا لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسبا من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أى من الأفعال الأخرى المذكورة فى المادة الثالثة.

وكان الجهاز الأول الذى أنيط به ذلك هو محكمة العدل الدولية تنفيذا لحكم المادة التاسعة من الاتفاقية، والجهاز الثانى هو مجلس الأمن، على نحو ما أشير إليه صراحة فى المادة 41 / 2 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية. وهذه المهمة التى سيتولى مجلس الأمن تنفيذها تخضع لحكم المادة 31 من ميثاق الأمم المتحدة المدرجة تحت مواد الفصل السابع منه، والذى يعطى لمجلس الأمن سلطة تقرير ما إذا كان وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، وأن يقدم المجلس فى ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه.

وعليه فإن قيام محكمة العدل الدولية، باعتبارها الجهاز القضائى الأعلى فى الأمم المتحدة، بإصدار أوامرها بشأن التدابير المؤقتة سابقة البيان؛ تعد هذه التدابير المؤقتة أقوى من الناحية القانونية من التدابير المؤقتة التى من المفترض ان يتخذها لحفظ السلم والأمن الدوليين، باعتبارها تدابير قضائية وليست تدابير سياسية. ولدينا أن هذه التدابير المؤقتة التى ألزمت المحكمة بها إسرائيل هى من أقوى التدابير المؤقتة التى اتخذتها المحكمة، مقارنة بالتدابير المؤقتة التى اتخذتها فى قضايا سابقة.

الأهم من ذلك كله، هو ان هذه التدابير المؤقتة التى أصدرتها المحكمة، يتم العمل بها عن طريقين: الأول: طريق أعمال المنع عملا بحكم المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة والمتمثلة فى وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات (والاتصالات عبر الشبكة العنكبوتية) وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية بين العالم وإسرائيل.

الثانى: طريق أعمال القمع تطبيقا لحكم المادة 42 من الميثاق فى حال لم تردع أعمال المنع إسرائيل، وذلك عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات البحرية والحصر والعمليات الأخرى، وذلك لإلزام إسرائيل قوة الاحتلال والاستعمار الاستيطانى ليس لوقف أعمال الإبادة والتحريض عليها فحسب، وإنما أيضا للسماح بدخول المساعدات الإنسانية من غذاء وماء ودواء ووقود وكهرباء ومساكن جاهزة وخيام ومستشفيات ميدان وسيارات إسعاف وتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم. إذن هذه هى الالتزامات الملقاة على عاتق الدول الأعضاء فى الاتفاقية. وكذلك يجب إحالة المتهمين بالأفعال الواردة فى المادة الثالثة من الاتفاقية إلى محكمة الجنايات الدولية، مع مراعاة الاستثناء المتعلق بتحفظ كونالى، الذى اشترطت الولايات المتحدة الأمريكية عند توقيع اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها بأن تتم محاكمة أى من مواطنيها سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا على النحو المشار إليه فى المادة الرابعة من الاتفاقية، امام المحاكم الأمريكية فقط. ولهذا رأينا مؤخرا عددا من جمعيات حقوق الإنسان فى أمريكا تقوم بإقامة دعاوى جنائية ضد الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته ووزير دفاعه، بتهمة المشاركة فى جريمة إسرائيل المتعلقة بإبادة الشعب الفلسطينى، وهذه الدعاوى تتفق وأحكام اتفاقية جريمة منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ويجب ان يشمل ذلك اتهام رئيس وزراء بريطانيا ووزير دفاعه اللذين حرصا على الخروج من باطن طائرة الشحن العسكرية مع الأسلحة المهداة من بريطانيا لإسرائيل لمواصلة جريمتها بالإبادة الجماعية، وكذلك يصل الاتهام للمستشار الألمانى الذى دعم إسرائيل معنويا وماليا لمواصلة جريمة الإبادة ووزير دفاعه، إلى ان نصل إلى الرئيس الأرجنتينى الذى بلغ تأييده منتهاه بنقل سفارة الارجنتين من تل إلى أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، كنوع من التحريض لتواصل إسرائيل جريمة الإبادة، وهنا تأخذ سفارته وصف جريمة حرب مثلها مثل المستوطنات التى أقامتها قوات الاستعمار الاستيطانى فى القدس وفى الضفة الغربية وفى غلاف غزة، وفى الجليل الغربى وقضاء عكا, إعمالا لفتوى محكمة العدل الدولية لعام 2004 بشأن الجدار العازل وتأكيدها عدم جواز خروجه عن حدود قرار التقسيم 181 لسنة 1947.

> الباحث فى القانون الدولى

مواضيع ذات صلة: