خلال الأشهر القليلة الماضية، زاد الكيان الصهيوني من عدد الهجمات والعمليات التي ينفذها ضد الدول العربية في الشرق الأوسط والمجموعات التابعة لها، ما بعكس تأييداً واضحاً داخل الكيان لتوسعة رقعة الحرب.
استفزاز متعمد
أصبح الوضع في الشرق الأوسط متوتراً للغاية في منتصف سبتمبر/أيلول، وفي أوائل الأسبوع الماضي، تعرض أعضاء من حزب الله اللبناني لهجوم، فقد أدت انفجارات أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمونها للاتصالات إلى مقتل أكثر من 30 شخصاً وإصابة حوالي 4 آلاف شخص. وسرعان ما تبادل لبنان والكيان الصهيوني الضربات الجوية، وأعلن الكيان الصهيوني عن عملية واسعة النطاق في الشمال، وبينما كان زعيم حزب الله حسن نصر الله يتحدث، حلقت الطائرات المقاتلة الصهيونية على ارتفاع منخفض فوق بيروت، وقال نصر الله إن الحزب يعتبر حكومة الكيان الصهيوني هو الجهة المنظمة لتفجير الاتصالات وتعتبر العملية بمثابة إعلان حرب، وأوضحت تل أبيب تصرفاتها بالقول إن حزب الله، وفقاً لبيانات استخباراتية، يعد خطة لغزو الأراضي الشمالية للكيان الصهيوني.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، كثف كيان العدو الصهيوني عملياته العسكرية في المنطقة، متخذاً على ما يبدو موقفاً مؤيداً للحرب، ففي 30 يوليو/تموز، تم تنفيذ ضربة على أهداف لحزب الله في بيروت، أسفرت عن تصفية أحد قادة الجماعة، فؤاد شكر، وفي اليوم التالي، توفي زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية، بعد قصف مقر إقامته في طهران، وعلى هذه الخلفية، هناك تقارير منتظمة عن ضربات للجيش الإسرائيلي في لبنان وسوريا واليمن، وليس من المستغرب أنه في المفاوضات التي جرت في الدوحة في أغسطس بين إيران وكيان الاحتلال، بمشاركة وسطاء من الولايات المتحدة ومصر وقطر، لم تكن تل أبيب في مزاج يسمح لها بتقديم تنازلات، وكان الغرض من هذا الاجتماع هو منع الحرب في المنطقة بسبب اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران، ولكن تمت أيضاً مناقشة التسوية السلمية للصراع الفلسطيني الصهيوني، ومن غير المعروف ما إذا كان ذلك نتيجة لذلك اللقاء، لكن حتى الآن لم تقم إيران بشن “الضربة الانتقامية” الموعودة ضد كيان الاحتلال الصهيوني، والتي تحمله المسؤولية عن مقتل هنية.
كما لم يكن من الممكن التوصل إلى تسوية سلمية ، ولم يكن من الممكن تجنب تصعيد الوضع في الشرق الأوسط، مستفيدة من عدم وجود أي عمل عسكري فعال ضد حركة حماس حتى الآن، فقد حول الكيان الصهيوني انتباهه إلى الحدود الشمالية، خاصة وأن مجلس الوزراء الصهيوني يعتبر حزب الله عدواً أكثر خطورة، وهكذا، ذكرت وزارة الدفاع أن إمكانية التوصل إلى حل سلمي للوضع هناك تتضاءل، حيث أن حزب الله “يربط نفسه” بشكل متزايد بحركة حماس.
في الوقت نفسه، فإن التعاون مع حماس أمر طبيعي بالنسبة لحزب الله، لأن أحد أهداف التشكيل عند إنشائه قبل أكثر من 40 عاماً كان التصدي لكيان الاحتلال الصهيوني.
وخلال الأسبوع الماضي أيضاً، أدت سلسلة من الهجمات ضد حزب الله، والتي نفذت تل أبيب بعضها بشكل علني، إلى تقويض قدرات الحزب بشكل خطير، فقد تم الهجوم على نظام الاتصالات أولا، ثم على البنية التحتية في اليوم التالي كما تم ضرب أكثر من 100 هدف عسكري، وفي 20 سبتمبر/أيلول، قصف الكيان الصهيوني إحدى ضواحي بيروت، وبحسب تقارير إعلامية، كان هدفها القضاء على قائد رفيع المستوى في حزب الله (إبراهيم عقيل).
بالتالي، يمكن النظر إلى سلسلة من الهجمات بطريقتين، حيث يمكن اعتبارها تحضيراً لصراع واسع النطاق وضربة استباقية، خاصة وأن احتواء حزب الله والوكلاء الموالين لإيران الآن أصبح أولوية بالنسبة للعدو الصهيوني، ويمكن الافتراض أن كيان الاحتلال لن يبدأ دوامة التصعيد حتى النهاية، لكن يبدو أنه من المفيد له إثارة سلسلة من «ردود الفعل» من الحركات الشيعية، وفي مقدمتها الموالية لإيران، ويفسر ذلك أن الخطوات التي تتخذها الدول الغربية وإيران تجاه بعضها البعض تتعارض مع السياسة الصهيونية، وصورة إيران كمعتدي ستفيد كيان الاحتلال الصهيوني.
لماذا يحتاج العدو الصهيوني إلى الحرب؟
تحكم البلاد حالياً حكومة يمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، ووصفها رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، بأنها “الأكثر تطرفاً في تاريخ (إسرائيل)”، وبالنظر إلى ذلك، إن مجلس الوزراء يمارس ضغوطاً على نتنياهو، ويدعوه إلى زيادة الضغط على الدول العربية.
وفي حال معارضة موقف الوزراء، هناك خطر حل الحكومة التي تمكن نتنياهو من تشكيلها بصعوبة، ثم سيفقد هو نفسه منصبه، وبالنظر إلى إخفاقات العام الماضي، لن يكون قادراً على العودة، بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر إجراء تحقيق جنائي ضده إذا بدأت الحكومة المقبلة في فهم الأسباب التي جعلت كيان الاحتلال غير مستعد للهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بالإضافة إلى ذلك، يمكن اعتبار بعض العمليات الصهيونية في غزة وبيروت إرهابية.
وبعد هجوم حركة حماس على كيان الاحتلال الصهيوني في تشرين الأول/أكتوبر، أدلى رئيس الوزراء بعدة تصريحات عالية الصوت، ووعد فيها بتصفية الحركة في وقت قصير، لكنه لا يزال غير قادر على الوفاء بكلمته، فلا تزال حماس منافساً خطيراً، ولا يزال المواطنون “الإسرائيليون” رهائن، بالتالي، إن التصعيد في المنطقة سوف يؤدي في كل الأحوال إلى تقويض قوة الجماعات شبه العسكرية، الأمر الذي سيقرب تل أبيب من هدفها.
هل سيتمكن الاقتصاد الصهيوني من مواجهة التصعيد؟
يتعافى الاقتصاد الصهيوني حالياً من صدمة هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، ويتجلى ذلك من خلال الأسعار في بورصة تل أبيب وسعر صرف الشيكل مقابل العملات الرئيسية التي عادت إلى مستوياتها السابقة.
كما لا يزال هناك عدد من الظواهر السلبية. وعادت معدلات البطالة المرتفعة إلى البلاد، ومستوى الناتج المحلي الإجمالي يتعافى ببطء بعد انخفاضه بنسبة 19% في الربع الرابع من عام 2023، والصادرات تتراجع، بالمقابل، تضررت قطاعات اقتصادية مهمة لكيان الاحتلال مثل التكنولوجيا الفائقة والزراعة والسياحة، وعلى هذه الخلفية، أدى استدعاء 300 ألف جندي احتياطي في الخريف إلى تفاقم الوضع. وأدى ارتفاع الإنفاق الدفاعي إلى زيادة عجز الموازنة وزيادة الدين العام، هناك أيضاً توتر في المجتمع الداخلي، حيث أن القوة الرئيسية موجهة إلى المجمع الصناعي العسكري على حساب القطاع الاجتماعي، بالتالي، لا يزال اقتصاد البلاد يتعامل مع العمليات العسكرية في الجنوب، لكن فتح الاتجاه الشمالي قد يؤدي إلى أزمة كاملة.
عواقب التصعيد
رغم أن الضربات يتم تبادلها حالياً بين الكيان الصهيوني وحزب الله، إلا أن الكثير سيعتمد على إيران، وإذا استسلمت طهران للاستفزازات واستخدمت القوة رداً على الهجمات على بيروت وأعضاء حزب الله، فمن الممكن حدوث مواجهة واسعة النطاق في المنطقة، الأمر الذي سيصب في مصلحة الكيان الصهيوني، وفي هذه الحالة، فإن الأعمال العسكرية التي يقوم بها الوكلاء الموالون لإيران، بما في ذلك حزب الله، يمكن أن تؤدي إلى تعقيد الوضع في الاقتصاد العالمي من خلال فرض قيود على حركة السفن في البحر الأحمر، وهذا سوف يثير تقلبات حادة في أسعار النفط.
في الوقت الحالي، فإن التصعيد بهذا المستوى في الشرق الأوسط ليس في صالح الولايات المتحدة أيضاً، لأن المشاركة النشطة في العديد من الصراعات الكبرى ستؤدي إلى تعقيد الوضع الاقتصادي في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن السباق الانتخابي يجري حالياً على قدم وساق في الولايات المتحدة، حيث يتعين على الإدارة الديمقراطية أن تظهر مرونة في مواجهة الناخبين.
وهذا أيضاً عامل يبقي أيدي الولايات المتحدة مقيدة ويمنح الكيان الصهيوني حرية عمل نسبية، وإذا بدأت إدارة الرئيس جو بايدن في اتخاذ إجراءات حقيقية لاحتواء الصراع، فيمكن للحزب الجمهوري المنافس أن يسجل نقاطاً من خلال تبني موقف مؤيد لكيان الاحتلال الصهيوني، ومن المفترض أن يحاول نتنياهو استغلال هذه النافذة لمواصلة سياساته المؤيدة للحرب وتحقيق أهدافه.
*كاتب ومفكر – الكويت.