في جريمة العدو الصهيوني بتفجير أجهزة التواصل الإلكترونية في 17 و18 سبتمبر/أيلول بقلم: الدكتور محمّد طيّ

ارتكب العدوّ الصهيونيّ في اليومين الماضيين، 17 و18 أيلول، جريمة مروّعة بتفجيره أجهزة البيجر، المدنيّة أساسًا، التي يحملها أعضاء من حزب الله المدنيّين، طاولت آلاف الأشخاص، بشكل غادر، فاستشهد عدد ممّن كانوا يحملونها، وجرح العدد الأكبر، والعشرات منهم جروحهم خطيرة، وفقد عدد من المصابين عيونهم أو أصابعهم أو أصيبوا في أحشائهم، ما يؤثّر على الكلى والأكباد والأمعاء وسائر ما في داخل الجسم.
فما هي طبيعة هذه الجريمة؟
يشكّل هذا الفعل جريمة حرب وجريمة ضدّ الإنسانية:
جريمة حرب:
لأنّه أتى ضمن مخطّط عامّ وكان يستهدف عددًا كبيرًا من الناس، وخاصّة المدنيّين الآمنين وهو يلبّي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (م 8) الذي ينصّ على أنّ القتل العمد للأشخاص المحميّين أو الممتلكات المحميّة باتفاقيات جنيف، وتعمّد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحّة، عندما يجري في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق، يشكّل جريمة حرب.
جريمة ضدّ الانسانيّة:
لأنّه جرى على نطاق واسع ومخطّط، وضمن معركة مستمرّة بين العدوّ ولبنان بمقاومته، وعن معرفة لدى العدوّ أنّه يستهدف مدنيّين، وذلك طبقًا لمفهوم الجريمة ضدّ الإنسانيّة الوارد في النظام الأساسيّ للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، حيث ورد في مادّته السابعة: “لغرض هذا النظام الأساسيّ، يشكّل أيّ فعل من الأفعال الآتية جريمة ضدّ الإنسانيّة متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجيّ موجّه ضدّ أيّ مجموعة من السكّان المدنيّين وعن علم بالهجوم: القتل العمد، الإبادة…”.
لقد طالت هذه العمليّة بشكل عشوائيّ حاملي الأجهزة من أطبّاء وعاملين صحيّين ومستشفيات ومراكز صحيّة وتجّار ومحالّ تجاريّة وغيرها، فلم يجرِ تمييز بين المدنيّين والعسكريّين أو بين الأهداف العسكريّة والأعيان المدنيّة، ولم يسبقها إنذار المدنيّين، ولا تتّسم بالضرورة العسكريّة ممّا يجعلها تحت طائلة البروتوكول الأوّل الملحق باتّفاقيّات جنيف لسنة 1949 (م 12 و15 و16 و51 و52 و57 و58 و76 و77). وهي تخرق اتّفاقيّة جنيف لحظر وتقييد استعمال الأسلحة مفرطة الضرر أو عشوائيّة الأثر لسنة 1980، كما تخرق البروتوكول بشأن “الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها بالأشعّة السينيّة لسنة 1980، اللذين صادق عليهما العدوّ الصهيونيّ بتاريخ 22 آذار 1995، وكذلك بروتوكول فيينا “لحظر أو تقييد استعمال الأسلحة المُعمِية، لسنة 1995، الذي صادق عليه العدوّ بتاريخ 30/10/2000”.
هذه الجرائم جميعًا ارتكبها قادة العدوّ الصهيونيّ في 17 و18 أيلول 2024، وهي إلى جانب كونها بحدّ ذاتها جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، تشكل إذا وضعت في إطار الإجرام الصهيونيّ المتمادي الذي يمارس منذ ما قبل 1948 حتّى اليوم، جريمة إبادة جنس بشريّ Genocide، لأنّها تأتي ضمن مخطّط للإهلاك الكلّيّ أو الجزئيّ لجماعة بشريّة قوميّة ودينيّة، كما تقضي به المادّة الثانية من اتّفاقيّة منع ومعاقبة جريمة إبادة جنس بشريّ لسنة 1948.
أمّا المسؤولية فتترتّب على قادة العدوّ الذين أمروا بارتكاب هذا الفعل الإجراميّ الرهيب، والذين نفّذوه من أعلاهم إلى أدناهم.
لكنّ الأمر لا يقتصر على المسؤولين الصهاينة، بل هناك شركاء لهم في فعلهم هذا، هم الشركة المنتجة الرئيسيّة في تايوان، أو في المجر، التي قد تكون سمحت بشكل أو بآخر بالتدخّل في عملها والإعداد للتفجير، كما يتحمّل المسؤوليّة الوسيط الذي اشترى الأجهزة، وقد تكون الحكومة في بلد المنشأ متواطئة في هذه الجريمة.
إلى جانب هؤلاء جميعًا، هناك الدول التي تمدّ العدوّ بالوسائل التكنولوجيّة لتمكينه من ارتكاب هذه الأفعال، أو التي يمكن أن تكون ساهمت بشكل ما في العمليّة تخطيطًا و/أو تنفيذًا، والتي سارعت إلى تبرير فعل العدوّ، كما فعلت الولايات المتّحدة الأميركيّة التي ادّعت، على لسان مسؤوليها، أنّ “إسرائيل” تمتلك حقّ الدفاع عن نفسها ضدّ ما تسمّيه “الإرهاب”.
ولما كانت العملية جرت ضمن العدوان الذي يشنّه العدوّ الصهيونيّ على غزّة وسائر فلسطين، وكان يمتد إلى لبنان واليمن وسوريا، ولما كانت الدول الغربية، الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا ودول أخرى تمدّ العدوّ بالأسلحة وسائر المساعدات الماديّة وتوفّر له الغطاء السياسيّ والدبلوماسيّ والمعنويّ، فهي تتحمّل المسؤوليّة الأخلاقيّة وحتّى القانونيّة عن هذه الجريمة.
أمّا طريقة المواجهة فإلى جانب العمل العسكريّ، هي الشكوى إلى مجلس الأمن، ووضعه أمام مسؤوليّاته, وحتّى لو استخدمت الدول الغربيّة فيه حقّ النقض (الفيتو) وأفشلت المسعى، فلا أقلّ من إحراج أعضاء المجلس وفضح العدوّ.
ولو تمكنّا من دعوة الجمعيّة العامّة في حال فشل مجلس الأمن نتيجة استخدام حقّ النقض، لتقوم بواجبها بدلًا منه في حماية السلم والأمن الدوليّين، بناء على القرار 377، الاتّحاد من أجل السلام، فعلينا ألّا نتوانى عن ذلك.
ثمّ أنّه بالإمكان طرح الأمر على المنظّمات الدوليّة الأخرى المعنيّة بشأن المرأة والطفل والاتّصالات…
وإلى جانب هذا يمكن رفع دعاوى أمام محاكم الدول التي تتمتّع ب”الصلاحيّة العالميّة”، Compétence universelle وهي محاكم معظم الدول الأوروبيّة، خصوصًا من قِبل من يملكون جنسيّة هذه الدول، أو ضدّ الصهاينة الذين يملكون هذه الجنسيّة.
أمّا النتيجة، فإن لم تكن الإدانة والتجريم من قبل الجهات الدوليّة، فمن المرجّح أن تأتي من قبل المحاكم ذات الصلاحيّة العالميّة التي يمكن تحكم بالسجن والغرامات على الصهاينة والدول والأشخاص المتورّطين مباشرة في العمليّة.
وبعد هذا كلّه، يبقى أنّ هذه المحاولات ستؤمّن المشروعيّة لعمليّات دعم المقاومة من قبل أحرار العالم، وخاصّة أولئك الذين يملأون الشوارع والساحات في الدول الاستكباريّة الإمبرياليّة.
وأخيرًا فإنّ من مفعول التحرّك القانونيّ/القضائيّ والإعلاميّ والدبلوماسيّ، دحض مقولات الإرهاب التي تلصق بالعمل المقاوم وتستبيح دم المقاومين، من جهة، وتثبيت مبادئ حقّ المقاومة في النضال من أجل إحراز حقوق الشعوب في تقرير المصير والحريّة والعيش الكريم من جهة أخرى.

مواضيع ذات صلة: