بشار محي الدين المحمد
مع تواصل فاشية العدو الإسرائيلي وإجرامه ضدّ الشعب العربي الفلسطيني تتكشف المزيد من الحقائق، وتتأيد بوثائق أقوى يراها العالم أكثر فأكثر- باستثناء أولئك الذين اختاروا طريق العمى والتعامي كرمى لعيون الإمبريالية العالمية- فالكل أصبح الآن أمام حقيقة لا هروب منها، في أن هذا الكيان إجرامي لا إنساني، ويهدف إلى إبادة الشعب الفلسطيني بأي وسيلة، بدلاً من الاعتراف بأدنى حق من حقوقه، كما يعمل جاهداً دون الوصول إلى أي هدف سياسي أو عسكري أم أمني مما زعمه متزعم هذا الكيان المجرم نتنياهو.
في شهر تموز الماضي أشارت فتوى العدل الدول بوضوح “لا لبس فيه ولا غموض” عبر جهود تشمل الجوانب القانونية والإنسانية والدولية، إلى مدى عدم قانونية تصرفات الكيان الصهيوني وهدره لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، بل تبعات سلوك هذا الكيان على الدول الأخرى، وخاصةً مع تحديه للقانون الدولي بشكل صارخ، والتخطي لقواعد القانون الدولي بالجملة، بشكل أحرج حتى ساسة الغرب المضطرون للسير خلف هدي ما يحدده الأخ الأكبر في الإجرام ضمن البيت الأبيض، كما أن رفض “إسرائيل” المتكرر الامتثال حتى لما قررته العدل الدولية من إجراءات مؤقتة وإنسانية الطابع وهادفة لمنع الإبادة يؤكد مضيها في تحقيق غايات الإبادة وتحدي مؤسسات القانون الدولي.
واليوم للأسف فإن “إسرائيل” تذهب إلى اتجاه أكثر كارثية يحقق لها أهداف عدة، حيث تعمد على الإساءة إلى سمعة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وفق ما أكدته المنظمة، وإظهارها كـ”منظمة إرهابية” عبر وسائل عديدة مثل ضخ المعلومات الكاذبة وشراء الإعلانات على منصة “غوغل”، وبالطبع فإن ذلك ليس لمجرد التشهير والإساءة لسمعة هذه المنظمة الإنسانية العريقة فحسب، بل لتبرير قتل “إسرائيل” المتعمد لطواقمها، وقصف وتدمير ما تبقى من مقراتها العاملة ومراكزاها، إضافة إلى منع الدول من تمويلها، فسبق لـ”إسرائيل” أن نجحت بشكل مؤقت في منع بعض الدول الغربية من التمويل والتبرع للأونروا، ولكن افتضاح أمر الكيان أمام شعوب تلك الدول والعالم أجبر ساسة تلك الدول على العودة عن قرارهم غير الصائب بكل المعايير، ما تنافى مع رغبة “إسرائيل” في ممارسة المزيد من الضغط على الشعب العربي الفلسطيني من خلال حتى إجهاض أدنى جهود للتعافي المبكر، أو مد هذا الشعب بأدنى مقومات الغذاء والدواء والدفء لكي يسهل مشروع إبادته أكثر فأكثر في مكان غير آمن باعتراف كل العالم ومنظماته.
كما تدلل جيوش الاحتلال على الرغبة في تبني “شرعية القتل” كآلية للدفاع عن الوجود المصطنع لكيانها من خلال تخطي ما ذكر آنفاً وتوسيع العدوان الوحشي من غزة مروراً برفح، وصولاً إلى الضفة الغربية، بحيث تمدد من مساحات قصفها وإجرامها لهذا الشعب الأعزل ليس فقط للضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية وجبهات إسنادها المتعاظمة في المنطقة من لبنان إلى سورية فالعراق واليمن وصولاً إلى إيران، بل طمعاً في تحقيق “محو سريع” للشعب الحامل للقضية الفلسطينية، وتصفية كل مطالب بحق تقرير المصير، وطارح لـ”حل الدولتين”.
ويتابع هذا الكيان طرح ذرائع جديدة في توسيع عدوانه، فبعد أن كانت الذريعة “حماس” في غزة، اليوم هي وجود “سلاح إيراني” في الضفة ومخيماتها رغم عدم وجود منفذ ممكن لهذا السلاح سوى قرى وبلدات الكيان، وجيش حقدها الذي يبيع عناصره السلاح لشراء المخدرات التي قد تعدل جزءاً يسيراً من مزاجهم الوحشي المتعطش لدماء الأبرياء حتى يبقى ويعيش ويتسول المزيد من مساعدات وأموال وسلاح الغرب.
فهدف الإبادة لم يعد “حماية غلاف غزة”، بل هو أيضاً “حماية غلاف طولكرم”، وربما عدوان لـ”حماية غلاف شمال الكيان”… لا أحد يعلم ما هي الأغلفة التي من الممكن أن تؤمن الشعور بـ”الأمان” لكيان مصطنع مزروع يفتقد لأي شرعية أو اندماج مع شعوب منطقة بأسرها، بغض النظر عن مساعي التطبيع الفاشلة بين الكيان وعدد من ساسة المنطقة الذين تمت تعرية أوهامهم بعد أن هبت شعوبهم رافضة التماهي مع هذا الكيان بأي شكل، ولا سيما بعد “طوفان الأقصى”.
ما يجري اليوم يحتم على شعوب المنطقة والعالم التحرك لمحاصرة ووقف تلك الخطوات غير الشرعية وغير القانونية للكيان وداعميه، ومحاصرتهم بإجراءات قانونية وعقوبات مشروعة ومقاطعات واسعة تشل وتحجم من أي بوادر قوة أو أدنى شعور بالاستقرار لهذا الكيان، كما لا بد من دعم جهود المنظمات الدولية العاملة على الأرض المحتلة والمشاركة في حملات تحمي عملها وطواقمها، وتدلل على عملها الإنساني البحت الذي لا تشوبه شائبة، إلا في خيال “إسرائيل”… كل ذلك بالتأكيد سيكون مكللاً بالجهود المتواصلة من جبهات الإسناد التي تلقن الكيان في كل لحظة دروساً في تحقيق عناصر المفاجئة، وإعادته إلى مرحلة الكابوس الوجودي الذي يحاول جاهداً أن يصحى منه دون جدوى مهما حاول الهروب نحو الأمام.