قرار محكمة العدل الدولية الاستشاري الخاص بفلسطين الصادر بناءً على طلب الجمعيّة العامّة للأمم

قرار محكمة العدل الدولية الاستشاري الخاص بفلسطين
الصادر بناءً على طلب الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بتاريخ 19 تمّوز 2024

1- فلسطين تحت الاحتلال: الضفة الغربية، القدس وغزة
أ‌- السيطرة على غزة؟
أنّ “إسرائيل” تسيطر “إلى جانب أشياء أخرى، على المجال الجوّيّ والمياه الإقليميّة لغزة، فضلًا عن المعابر الحدوديّة البريّة، والبنية التحتيّة المدنيّة، بما في ذلك إمدادات المياه والكهرباء، والوظائف الإداريّة الرئيسيّة مثل إدارة سجلّات الأحوال المدنيّة للسكّان الفلسطينيّين”(ف 89)؛ لهذا فإنّ غزّة لم تتحرّر بالكامل.
ب-وحدة الأراضي الفلسطينية
إنّ الاحتلال وإدامته، وفرض سيادة المحتلّ على أجزاء من الأرض الفلسطينيّة المحتلّة وضمّها… يشكّل انتهاكًا للحظر المفروض على الاستيلاء على الأراضي بالقوّة” (ف 254)
ج- حق تقرير المصير
إنّ حقّ جميع الشعوب في تقرير المصير يشكّل “أحد المبادئ الأساسيّة للقانون الدوليّ المعاصر”، وقرّرت أنّ الالتزام باحترام هذا الحقّ واجب تجاه الكافّة erga omnes، وأنّ لجميع الدول مصلحة قانونيّة في حمايته” (ف 232) ولا يمكن أن يخضع لشروط سلطة الاحتلال، لأنّه حقّ غير قابل للتصرّف (ف257).
د- إلزامية عودة السلطة الأصلية
لا يجوز لقوّة الاحتلال أن تحلّ بشكل دائم محلّ السلطة المحليّة لتسيير الأمور، فقيامها بهذه المهمّة أمر استثنائيّ، غير أنّ “إسرائيل”، كما ذكرت المحكمة، مارست السلطة التنظيميّة التي تتمتّع بها كسلطة احتلال بطريقة لا تتّفق مع القاعدة الواردة في المادّة 43 من اتّفاقيّة لاهاي والمادّة 64 من اتّفاقيّة جنيف الرابعة. (ف141)
2- أفعال “إسرائيل”:
أ‌- التغيير الديمغرافيّ
ويتمّ بنزع السكّان من أرضهم وإسكان آخرين مكانهم، وهذا أمر محظور قانونًا، فقد استشهدت المحكمة بالفقرة السادسة من المادّة 49 من اتّفاقيّة جنيف الرابعة، التي تنصّ على أنّه “لا يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بترحيل أو نقل جزء من سكّانها المدنيّين في الأراضي التي تحتلّها… ” (ف 115). ومع ذلك أنشئت المستوطنات “الإسرائيليّة”

ب‌- حيازة للأراضي
إنّ حظر أيّ حيازة للأراضي التي تمّ الحصول عليها على هذا النحو، كنتيجة طبيعيّة لحظر التهديد باستخدام القوةّ أو استخدامها، هو مبدأ من مبادئ القانون الدوليّ (قرارات مجلس الأمن رقم 267 (1969)، و298 (1971)، و478 (1980)، وفي الآونة الأخيرة، في قراره 2334 (2016) المعتمد في 23 ديسمبر 2016
ج- المصادرة والاستيلاء
تطال المصادرة والاستيلاء الممتلكات الخاصّة والعامّة. أمّا الخاصّة فتُمنَع مصادرتها تحت أيّ ذريعة؛
أنّ مجلس الأمن قد شدّد على أهميّة ضمان حماية الموارد المائيّة في الأراضي المحتلّة (قرار مجلس الأمن 465 (1980). وقد طالبت الجمعيّة العامّة مرارًا وتكرارًا “إسرائيل” بـالتوقّف عن استغلال وتغيير وتدمير واستنفاد وتعريض الموارد الطبيعيّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما فيها القدس الشرقيّة إلى الخطر” (ف 132)، علمًا أنّ من واجبها، بموجب الفقرة الخامسة من المادّة 50 من اتّفاقيّة جنيف الرابعة، توفير الغذاء والرعاية لسكّان البلاد تحت الاحتلال؛
د- تغيير القوانين والأنظمة
تلزم المادّة 43 من اتّفاقيّة الحرب البرّيّة القوّة المحتلّة باحترام القوانين السارية في البلاد، وتقضي المادّة 64 من اتّفاقيّة جنيف الرابعة بأن “تبقى التشريعات الجزائيّة الخاصّة بالأراضي المحتلّة نافذة، ما لم تلغِها دولة الاحتلال أو تعطّلها إذا كان فيها ما يهدّد أمنها أو يمثّل عقبة في تطبيق هذه الاتّفاقيّة. ومع مراعاة الاعتبار الأخير، ولضرورة ضمان تطبيق العدالة على نحو فعّال، تواصل محاكم الأراضي المحتلّة عملها فيما يتعلّق بجميع المخالفات المنصوص عليها في هذه التشريعات.”
ه- قانون عسكري- محاكم عسكرية
وأصبح الفلسطينيّون يخضعون في الضفّة الغربيّة للقانون العسكريّ ويخضعون لمحاكم عسكريّة إسرائيليّة (ف136)، وفي القدس الشرقيّة، تمّ تطبيق القانون “الإسرائيليّ” منذ بداية الاحتلال في عام 1967 (ف138).
هذا فيما تحظر الفقرة الأولى من المادّة 54 من اتّفاقيّة جنيف الرابعة على دولة الاحتلال أن تغیّر وضع الموظّفين أو القضاة في الأراضي المحتلّة.
3- التمييز:
أ‌- التصاريح للدخول إلى القدس الشرقية
إلى جانب التمييز في القوانين المفروضة على الفلسطينيّين و”الإسرائيليّين”، تشير المحكمة إلى أنّه “بموجب قانون المواطنة والدخول إلى “إسرائيل”، يُحظر على سكّان الضفّة الغربيّة من غير المستوطنين، من حيث المبدأ، الإقامة في القدس الشرقيّة، ولا تُمنح لهم تصاريح الإقامة إلّا بشروط مشدّدة للغاية، ودائما حسب تقدير وزير الداخلية” (ف195). وتشكّل سياسات إسرائيل المقيِّدة لحرّيّة التنقّل تمييزاً محظوراً
ب‌- تراخيص البناء
ثمّ إنّ سياسة “إسرائيل”، في التخطيط الإقليميّ، فيما يتعلق بإصدار تراخيص البناء، وممارستها بهدم المباني المبنيّة بدون تراخيص
ج- تنقّل، صحّة، تعليم، معيشة
في فتواها بشأن الجدار، لاحظت المحكمة أنّ “تشييد الجدار والنظام المرتبط به يعيقان حرّيّة التنقّل لسكّان الأرض الفلسطينيّة المحتلّة (باستثناء المواطنين “الإسرائيليّين” ومن في حكمهم) على النحو الذي تكفله الفقرة 1 من المادّة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما أنّها تعيق ممارسة المعنيّين حقوقهم في العمل والصحّة والتعليم ومستوى معيشيّ لائق على النحو الذي ينصّ عليه العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة واتفاقيّة الأمم المتحدة المتعلّقة بحقوق الطفل (ف 206).
د- العقوبات الجماعيّة
تحظر العقوبات الجماعيّة وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب”؛ لكن كلّ هذا يحصل في الأرض المحتلّة، سواءً على يد القوّات الرسميّة أم على أيدي المستوطنين.
وترى المحكمة أنّ فشل “إسرائيل” “بشكل منهجي في منع أو معاقبة هجمات المستوطنين التي تؤثّر على حياة الفلسطينيّين أو سلامتهم الجسديّة، فضلاً عن الاستخدام المفرط للقوّة ضدّ هؤلاء الأخيرين، تتعارض مع الالتزامات” المفروضة على قوّة الاحتلال (ف 154).
إنّ نظام القيود العامّة، التي تفرضها “إسرائيل” على الفلسطينيّين في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، يشكّل تمييزاً منهجيًّا يقوم، على وجه الخصوص، على العرق أو الدين أو الأصل الإثنيّ، انتهاكًا للفقرة 1 من المادّة 2، والمادّة 26 من العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسية، والفقرة 2 من المادّة 2 من العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، والمادّة 2 من اتّفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصريّ (ف 213 و223).
4- التذرّع باتفاقات أوسلو
102- لاحظت المحكمة “أنّه لا يوجد في أحكام (أوسلو) ما يشير إلى أنّ الصلاحيّات المحدّدة التي تتمتّع بها “إسرائيل” بموجب قانون الاحتلال سيتمّ توسيعها” (ف 140)؛ كما أنّ هذه الاتفاقات “لا تجيز ل”إسرائيل” ضمّ أجزاء من الأرض الفلسطينيّة المحتلّة لتلبية الاحتياجات (الأمنيّة)؛ ولا تسمح بالحفاظ على وجود دائم في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة لنفس الغرض” (ف 263).
ولمّا كانت اتّفاقيّة جنيف الرابعة هي الصكّ الأساسيّ في التعامل مع المدنيّين تحت الاحتلال، كانّ “من الضروريّ، لأغراض تفسير اتّفاقات أوسلو، أن تراعى المادّة 47 من اتّفاقيّة جنيف الرابعة، التي تنصّ على أنّه “لا يجوز حرمان السكّان المحميّين” من الاستفادة من الاتّفاقيّة بموجب اتّفاق بين سلطات الأراضي المحتلّة ودولة الاحتلال”.
5- التغييرات العميقة المخالفة للقانون الدولي
لقد أدّت هذه السياسات والممارسات إلى تغييرات في الطابع المادّيّ والوضع القانونيّ والتركيبة الديمغرافيّة والسلامة الإقليميّة للأرض الفلسطينيّة المحتلّة، ولا سيّما في الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة. وتُظهِر التغييرات المذكورة نيّة إنشاء وجود “إسرائيليّ” دائم ولا رجعة فيه في الأراضي المذكورة (ف 252).
إنّ “إسرائيل” ملزمة بوضع حدّ لهذه الأعمال غير المشروعة. وفي هذا الصدد، يجب عليها أن توقف فوراً أيّ نشاط استعماريّ آخر. كما يتعيّن على “إسرائيل” إلغاء جميع القوانين والتدابير التي تخلق أو تحافظ على الوضع غير القانونيّ، بما في ذلك تلك التي تميّز ضد ّالشعب الفلسطينيّ في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة، وكذلك أيّ تدابير تهدف إلى تغيير التركيبة السكانيّة لأيّ جزء من هذه الأرض (ف 268).
6- الحلّ، الدولتان
7- مسؤوليّة “إسرائيل”
المسؤولية بقدر السيطرة. (ف94)
من البدهيّ أن تتحمّل “إسرائيل” مسؤوليّة كلّ خروقها القانون الدوليّ وأن تعيد الحال إلى ما كانت عليه قبل احتلالها، وما يتعذّر فعله يوجب التعويض، وقد ركّزت على ما يأتي:
أ‌- إخلاء المستوطنين
طالبت المحكمة، كما رأينا،” بإخلاء جميع المستوطنين من المستوطنات القائمة، وتفكيك أجزاء الجدار التي بنتها في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة، والسماح لجميع الفلسطينيّين الذين شرّدوا أثناء الاحتلال بالعودة إلى مساكنهم الأصليّة” (ف270).
ب‌- التعويض
وفرضت على “إسرائيل” التزامًا بتقديم التعويض الكامل عن الأضرار التي سبّبتها أفعالها غير المشروعة دوليًا لجميع الأشخاص الطبيعيّين أو الاعتباريّين المعنيّين (ف 269).
8- واجبات الدول، عدم الاعتراف، المقاطعة
كما قرّرت المحكمة أنّه نظرًا لأهميّة هذه الحقوق، يمكن القول إنّ لجميع الدول مصلحة قانونيّة في حمايتها”(ف 274).
ومن أشكال الحماية عدم منح المحتلّ أيّ شرعيّة فيما يقوم به في الأرض التي يحتلّها، ومقاطعة كلّ انتاج مستوطناته المقامة عل الأرض الفلسطينيّة. فقد رأت المحكمة أنّه، “بعد أخذ العلم بقرارات مجلس الأمن والجمعيّة العامّة، … أنّ الدول الأعضاء في المنظّمة مطالبة بعدم الاعتراف بأيّ تعديل للشخصيّة المادّيّة أو التركيبة الديموغرافيّة أو الهيكل المؤسّسيّ أو وضع الأراضي التي احتلّتها “إسرائيل” في 5 حزيران 1967، بما فيها القدس الشرقيّة، سوى تلك التي يتّفق عليها الطرفان من خلال المفاوضات، والتمييز في تبادلاتها مع “إسرائيل”، بين أراضي دولة “إسرائيل”! والأراضي المحتلّة منذ عام 1967… وعدم الحفاظ، فيما يتعلّق بالأرض الفلسطينيّة المحتلّة أو أجزاء منها، على علاقات اقتصاديّة أو تجاريّة مع “إسرائيل” من شأنها أن تعزّز وجودها غير المشروع في هذه الأرض؛ ويجب عليها الامتناع، عند إنشاء بعثات دبلوماسيّة في “إسرائيل” أو الإبقاء عليها، من الاعتراف بأيّ شكل من الأشكال بوجودها غير المشروع في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة؛ واتّخاذ التدابير اللازمة لمنع التجارة أو الاستثمار الذي يساهم في الحفاظ على الوضع غير المشروع الذي خلقته “إسرائيل” في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة (ف 278).
9- واجبات الجمعية العامة ومجلس الأمن
أخيرًا، ترى المحكمة أنّ مسألة الطرائق المحدّدة لإنهاء الوجود غير المشروع ل”إسرائيل” في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة يجب أن تعالج من قبل الجمعيّة العامّة، التي طلبت هذا الرأي الاستشاريّ، وكذلك من قبل مجلس الأمن. وبناءً على ذلك، فإنّ الأمر متروك لهاتين الهيئتين للنظر في التدابير الإضافيّة المطلوبة لإنهاء الوجود الإسرائيليّ غير المشروع، بالنظر إلى هذه الفتوى (ف281)
10- الحكم
3- ترى أنّ استمرار وجود دولة “إسرائيل” في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة غير قانونيّ؛
4- ترى أنّ دولة “إسرائيل” ملزمة بإنهاء وجودها غير المشروع في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة في أسرع وقت ممكن؛
5- ترى أن دولة “إسرائيل” ملزمة بالوقف الفوريّ لجميع الأنشطة الاستيطانيّة الجديدة، وإجلاء جميع المستوطنين من الأرض الفلسطينيّة المحتلّة؛
6- ترى أن دولة “إسرائيل” ملزمة بإصلاح الأضرار التي لحقت بجميع الأشخاص الطبيعيّين أو الاعتباريّين المعنيّين في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة؛
8- ترى أنّ المنظّمات الدوليّة، بما فيها الأمم المتّحدة، ملزمة بعدم الاعتراف بشرعيّة الوضع الناشئ عن الوجود غير المشروع لدولة “إسرائيل” في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة؛
9 – ترى أنّه يجب على الأمم المتّحدة، وعلى وجه الخصوص الجمعيّة العامّة، التي طلبت هذا الرأي، ومجلس الأمن، أن تدرس الطرائق الدقيقة والتدابير الإضافيّة اللازمة لوضع حدّ، في أقرب وقت ممكن، للوجود غير القانونيّ لدولة “إسرائيل” في الأرض الفلسطينيّة المحتلّة.
11- ما غاب عن الرأي الاستشاريّ
غابت عن الرأي أمور أهمّها أربعة: الإعدام خارج القضاء، والإساءة إلى الجثث، الاعتقال الإداريّ، والاعتداءات على المسجد الأقصى:
أ‌- الإعدام خارج القضاء:
تمارس القوى المسلّحة “الإسرائيليّة” عمليّات إطلاق النار على الفلسطينيّين بتهم مختلفة، وتمنع وصول المسعفين إليهم حتّى يُستشهَدوا، وهذا تعذيب وقتل متعمّد، كما ويقتل المستوطنون المحميّون من القوى الرسميّة الفلسطينيّين ولا يتعرّضون للعقاب المناسب. وهذا قتل خارج إطار القانون، يُحظَر في جميع الظروف، حتّى في حالات الطوارئ؛ ويستوجب العقوبات المناسبة. فقد جاء في “دليل الأمم المتّحدة لمنع ممارسات تنفيذ عمليّات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسّفيّ والإعدام دون محاكمة، والتحقيق في تلك الممارسات” (24 أيار/ مايو 1989) :
1. تحظر الحكومات، بموجب القانون، جميع عمليّات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام التعسّفيّ والإعدام دون محاكمة، وتكفل اعتبار هذه العمليّات جرائم بموجب قوانينها الجنائيّة، يعاقب عليها بعقوبات مناسبة تراعي خطورتها. ولا يجوز التذرّع بالحالات الاستثنائيّة، بما في ذلك حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار السياسيّ الداخليّ أو أيّ حالة طوارئ عامّة أخرى، لتبرير عمليّات الإعدام هذه. ولا يجوز تنفيذ عمليّات الإعدام هذه أيًّا كانت الظروف، حتّى في الظروف التي تضمّ، علي سبيل المثال لا علي سبيل الحصر، حالات النزاع المسلّح الداخليّ، وحالات استخدام القوّة بصورة مفرطة أو مخالفة للقانون من جانب موظّف عموميّ أو أيّ شخص آخر يتصرّف بصفته الرسميّة، أو من جانب شخص يعمل بتحريض أو بموافقة صريحة أو ضمنيّة منه، وحالات الوفاة أثناء الاحتجاز. ويكون هذا الحظر أقوى في مفعوله من المراسيم التي تصدرها السلطة الحكوميّة.
كما تحظر ذلك الفقرة 2 من المادّة 12 من اتّفاقيّتي جنيف الأولى والثانية.

ب‌- الإساءة إلى الأموات
تحتجز “إسرائيل” جثث الشهداء بعد قتلهم، وتمتنع عن تسليمها إلى عائلاتهم؛ وقد عمدت مؤخّرًا إلى نبش القبور واستخراج الجثث, وهذا ما تجرّمه القوانين الداخليّة في كلّ البلدان، كما يتناقض
والمادتين 16 و17 من اتّفاقيّة جنيف الأولى والمادّة 120 من الاتّفاقيّة الثالثة، والمادّة 34 من البروتوكول الأوّل الملحق باتّفاقيّات جنيف.

ج- الاعتقال الإداريّ والاخفاء القسريّ:
هو اعتقال لا يجري بناءً على تهمة محدّدة، وليس له مدّة معلومة، ويستند إلى ثلاثة مصادر قانونيّة:
الأمر الخاصّ بالاعتقالات الإداريّة، وهو جزء من التشريعات العسكريّة المفروضة على الضفّة الغربيّة. وهو يسمح بإصدار أوامر اعتقال فرديّة؛ وتجري معظم عمليّات الاعتقال الإداريّ بناءً على هذا الأمر.
قانون أنظمة الدفاع في حالات الطوارئ، التي ورثتها “إسرائيل” من الانتداب البريطانيّ، ويسمح بالتحفّظ على مواطنين من سكّان المناطق الفلسطينيّة المحتلّة دون توجيه أيّ تهمة لهم، ودون تقديمهم للمحاكمة.
قانون سجن المقاتلين غير القانونيّين المطبّق منذ عام 2002. وتستعمل “إسرائيل” هذا القانون من أجل اعتقال الفلسطينيين من سكّان قطاع غزة بدون تقديمهم للمحاكمة.

د- الاعتداءات على المسجد الأقصى:
يشكّل المسجد الأقصى معلمًا دينيّا وتاريخيًّا أساسيًّا في فلسطين منذ القدم. لذا تحاول “إسرائيل” الاستيلاء عليه بحجّة أنّه بني مكان الهيكل، وقد حفروا تحته وهدّدوا بناءه بالسقوط، وفعلوا المستحيل ليجدوا أيّ أثر يثبت مدّعاهم، لكنّهم فشلوا وأخذوا يمارسون التزوير والاختلاق, ويقوم متديّنوهم باقتحام المسجد بحماية الشرطة في كلّ مناسبة متحدّين مشاعر الفلسطينيّين حماة المسجد الفعليّين.
إنّ هذه الممارسات تشكّل جريمة حرب بناءً على المادّة 8/2/ب/9 من نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة، التي تعدّ من جرائم الحرب: ” تعمّد توجيه هجمات ضدّ المباني المخصّصة للأغراض الدينيّة أو التعليميّة … والآثار التاريخيّة …
كما تتناقض هذه الممارسات مع المادّة الخامسة من اتّفاقيّة حماية الممتلكات الثقافيّة لسنة 1954، التي تقول في فقرتها الأولى:” على الأطراف السامية المتعاقدة التي تحتلّ كلًّا أو جزءًا من أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة الأخرى تعضيد جهود السلطات الوطنيّة المختصّة في المناطق الواقعة تحت الاحتلال بقدر استطاعتها في سبيل وقاية ممتلكاتها الثقافيّة والمحافظة عليها”.

12- القانون الدولي واغتصاب فلسطين
وهكذا للأسف نرى أنّ المحكمة الدوليّة الأساسيّة الدائمة مقيّدة بفروع القانون الدوليّ التي فرضتها الدول الاستعماريّة، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا منذ أوائل القرن الماضي ، وما زلنا نخضع لها متلقّينها صاغرين أو مؤيّدين، نعدّها كلّ ما يتعلّق بفلسطين من القانون الدوليّ. إنّ ضعف وجودنا على الساحة الدوليّة وتخاذل معظم حكّام العرب والمسلمين واستسلامهم لأعدائهم سمحت بأن يتجاهل حتّى أصدقاؤنا، أو يجهلوا أنّ فلسطين راحت ضحيّة مؤامرة دوليّة بدأت فكرتها مطلع القرن التاسع عشر يوم حاول نابوليون تحريك اليهود ليقيموا كيانًا لهم في فلسطين ، وبدأت حياكتها منذ أواسط القرن المذكور على أيدي أوساط دينيّة أنكلوساكسونيّة ويهوديّة أخذت تشجّع على الهجرة إلى فلسطين، تمهيدًا لعودة المسيح، أو لظهوره . واتّجهت نحو التنفيذ في المؤتمر الصهيونيّ الأوّل في بال بسويسرا سنة 1897 ، ووضعت على السكّة بواسطة الانتداب البريطانيّ ونُفّذت في قسمها الأكبر سنة 1948 ، واستكملت سنة 1967 ، وما زالت ترتيبات استيعابها قائمة حتّى اليوم، ولكنّها تصطدم بالعمل المقاوم.
لقد رأى العالم، ورأى حكّامنا معه، أنّ الانتداب عمل قانونيّ، وأنّ قرار تقسيم فلسطين عمل قانونيّ، لكن مرّ عليه الزمن، وتناسى، وتناسى حكّامنا معه، أنّ قبول دولة “إسرائيل” في الأمم المتّحدة بوصفها دولة محبّة للسلام!! ، الذي جرى على شرط تنفيذ القرارين181 و194 ، اللذين ضربت بهما عرض الحائط واقعيًّا وقانونيًّا قبل قرار قبولها عضوًا في المنظّمة الأمميّة.
لقد فرض علينا الانصياع لفروع القانون التي صاغها لبلادنا المستعمرون، ثمّ أضاف إليها الصهاينة ما يعزّز سيطرتهم. فنسينا القوانين الأصليّة التي تجعل كلّ الفروع المذكورة غير قانونيّة، وعلى رأس هذه القوانين الأصليّة قانون عدم شرعيّة الاستعمار وما فعله، الذي يجعل كلّ ما فرضه على بلادنا وسائر بلاد الجنوب باطلًا بطلانًا مطلقًا.
ونحن نطالب منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة القانونيّين العرب وغيرهم ممن يؤيّدون قضايا حريّة الشعوب في العالم بأن يأخذوا تاريخ الإجرام الصهيونيّ بالحسبان عندما يتصدّون لارتكابات “إسرائيل” في أيّ معركة، ولا يوصّفوا الجرائم بأنّها جرائم آنيّة، ولا يتعاملون مع النوايا الجرميّة “الاسرائيليّة” على أساس أنّها متعلّقة بالهدف الخاصّ بكل معركة، بل على أنّها ترتبط بالهدف النهائيّ وهو طرد كامل الشعب الفلسطينيّ من أرضه. والاستيلاء عليها وتسليمها لليهود المستقدمين من مختلف بقاع الأرض.
وفي الختام، وإذا لم يعد بوسعنا اليوم إلّا أن نصفّق للرأي الاستشاريّ للمحكمة، فهل سنصفّق طويلًا لأمثاله. أنا لست ممّن لا يتمنّون ذلك فقط، بل وممّن لا يعتقدونه.

مواضيع ذات صلة: