سناء شامي
الكل مشغول بالحديث عن الأمن السيبيراني و عن الحروب بالأسلحة الفتّاكة، متجاهلين الحرب الأخطر التي قام، و ما زال يقوم العدو الصهيوني، في البلاد العربية، ألا وهي الحرب الفلاحية و الصناعية التي شنّوها على إقتصاد عدة دول عربية كي يقضوا على إستقلالهم الإقتصادي و الأمني، و يجعلوهم تابعين لهم، و للآسف هناك شريحة من التجار و الصناعيين العرب الساذجين و الساعين إلى الربح السريع، ساعدوا و ما يزالوا الكيان الصهيوني في هذا التدمير الممنهج للفلاحة و الصناعة: ففي مصر مثلاً، قضوا على زراعة القطن المصري المشهور و زرعوا مكانه بطيخ و خضروات أخرى بحجة حاجة البلد إلى العملة الصعبة، أرسلوا الفلاح المصري إلى إسرائيل ليتدرب على “أصول الزراعة ” !!! تصورا، الفلاح المصري المعجون بحبه لتراب أرضه من آلاف السنين، بعد كامب ديفيد يصبح تلميذ في المدارس الفلاحية للكيان الصهيوني حديث النشأة… كذلك أدخلوا أسمدة سببت ما تُسمّى بسوس النخيل، أسمدة أخرى سببت في إزدياد عدد مرضى السرطان، أوقفوا معمل السكر و الذي عمره حوالي المئتين عام، قضوا على زراعة القمح، و صارت مصر مستوردة لهذه الحبوب… في العراق، سرقوا بنك البذور، و أدخلوا الحبوب المهجنّة و الأسمدة المسرطنه، حرقوا النخيل و سرقوا الكثير منه و خرّبوا الكثير من الأراضي و إشتروا بعضها، لعبوا أيضاً بزراعة و صناعة المغرب، السودان، مساحات واسعة و خصبة في الجزائر لا تُزرع، و الأسباب غير واضحة… بعد كامب ديفيد، من الأردن و مصر يتم إدخال السلع إلى إسرائيل، و رغم هذا الإتفاق، هناك إختصاصيون في القانون، يؤكدون بأن مصر و الأردن لديها الوسائل القانونية لمنع مرور السلع إلى العدو الصهيوني، لكن، ربما لا تُوجد إرادة سياسية لمنع ذلك… الكيان الصهيوني عمل و يعمل على وضع يده على الماء و الغاز و البترول، في العراق و سوريا لعبوا على العامل الكردي، و أجبروا حكومات هذين البلدين على شراء نفطهم من قادة الأكراد المتعاونين مع الصهاينة، و التناقض القاتل واضح في أربيل مثلاً… و الأمثلة عديدة في عدة دول، بما فيهم الإمارات…حتى العامل النفسي للمواطن العربي، يعمل الصهاينه على إستغلاله، ففي المغرب مثلاً فتحوا مكاتب عمل، يستغلون من خلالها حاجة الشباب المغربي للعمل، أو لأجور أعلى، بدؤا بإبرام عقود معهم و إرسالهم للعمل في إسرائيل، و كل هذا يصبُّ في كسر نفسية الشاب العربي و تعويده على التعامل مع الكيان الصهيوني، و كأنه دولة ديمقراطية تمنح الفرص للجميع بما فيهم العرب… أمّا تجار الوطن، منتفخين الجيوب و فارغين العقول، فيجب الحذر منهم و ضبط نشاطهم، من قِبل الدولة بقوانين تصب لصالح المصلحة العامة، قد يكونوا رجال طيبيين، لكن الجهل و الجشع و فقدان الرؤية المستقبليه لعملهم، يجعل منهم خطر مؤذي، و لا بد من ردئه و معالجته. .. و لا ننسى العنصر الثقافي، فهناك بعض مراكز الأبحاث، و الإعلام ممّولين من الصهاينة لخلق جيل عربي يرى في إسرائيل خلاصه و سعادته، بالإضافة لسعيهم على تعديل المناهج التعليمية في العالم العربي بحجة مكافحة الفكر المتطرف، و قد إستطاعوا في بعض الدول على تعديل المناهج، و منع مادة التربية الوطنية، و الدنية، و التعتيم على الآيات القرآنية التي تذكر بنو إسرائيل، و الآن يسعون لتغيير مناهج التاريخ و الجغرافيا، لإلغاء تدريس الصراع العربي الإسرائيلي، و إستبداله بتدريس الهوكوست، أي المحرقة، و تعليم العرب حب التسامح، أليس إسلامنا المتسامح من حماهم عبر التاريخ! يا لوقاحتهم… و مع ذلك، ففي المغرب تعدلت المناهج، و بدأت الكتب تتحدث عن دور اليهود في بناء المغرب، نشروا صوراً للملك و هو يزور صويره، و هي موقع فيه رموز يهودية، و ذلك لكسر الحاجز النفسي للشباب المغربي الرافض للصهاينة، أيضاً في مصر الأزهر أُزيل تدريس كل الآيات التي يُذكر فيها إسم اليهود… لقد تمّ الإشادة بالسعودية و الإمارات العربية و البحرين و الأردن قطر على أنهم كانوا من السبّاقين في هذا السياق و إلتزموا بالتوصيات المعطاة لهم، اليوم مناهجهم تشير إلى المذابح العثمانية، و لكنها لا تتطرق مطلقاً على أية مذبحة إسرائيلية صهيونية حدثت و ما زالت تحدث في فلسطين منذ عام ١٩٣٨، بينما تقرير هيئة الأمم نقد الكويت و الجزائر لأن جميع مناهجها تشير إلى أن الإستعمار الأوربي في كل الدول العربية كان دموياً… البنك الدولي، هيئة الأمم المتحدة و صندوق النقد الدولي، للآسف، تغلغلوا في بعض الدول العربية مثل لبنان و حتى فلسطين نفسها، و إستطاعوا فرض شروطهم على المنظمات التي تعمل في مجال التعليم منذ الروضة، حتى الجامعة، و ساومتهم على تمويلهم مقابل أن لا يتعرضوا لذكر الصهاينة أو الإساءة إليهم في برامجهم، و لكل حزن، لقد وافقت أغلب هذه المنظمات بحجة حاجتها للتمويل، حتى دور النشر العربية و معارض الكتب، دور الإنتاج السينمائي، التلفزيوني، السياحة، مجال الصحة، كلهم لم ينجوا من هذا السرطان… و الغرض الأساسي محو فلسطين من الخارطة، و هذا حتماً، كان هدفهم من إتفاقية كامب ديفيد و وادي عربة، و اليوم إتفاقية الديانات الإبراهيمية: و إذا كان في السابق يتحدثون عن الأرض مقابل السلام، اليوم يريدون فرض السلام مقابل الرفاهية، التي من خلالها سيعملون على تذويب الأخلاق، و الأسرة و العقيدة، كما فعلوا بأوربا… لكنني ما زلت أثق بوجدان و وعي شعوبنا رغم كل هذا التفكك و الإرهاق و التشتت المادي و النفسي، و عدم الإنبهار بالتكنولوجيا، فالحضارات جميعها نشأت حول قطعة أرض و فأس… نحن مخترقون، و في المؤتمرات العربية التي تُقام لتناقش أهمية الأمن السيبيراني، و التي شاركت في إحداها كمحاضرة، أكرر بأن الدفاع عن الأمن العربي، يبدأ من الأرض، و ليس من الفضاء، فالكل مخترق، و الإختراق قديم، متغلغل و خطير. لا تثقوا بنعومة التمويل و الممولين، لأن متصنّع الود، أشد لُئماً من صريح العداء.