كمال الحصان
القلق بشأن زوال كيان إسرائيل يعتبر قضية حساسة لليهود الصهاينة، إذ يثار الشك في مستقبل الكيان نفسه.
حيث يشير الإسرائيليون إلى أمثلة تاريخية تبين أن “مملكة داود وسليمان”، التي كانت الدولة اليهودية الأولى، لم تستمر لأكثر من 80 عاماً، وبالمثل “مملكة الحشمونائيم”، الدولة الثانية لليهود، انتهت في العقد الثامن من تأسيسها، بينما الكيان، وهو “النموذج الثالث” لكيان اليهود، يقترب من العام الثامن والسبعين على تأسيس الكيان الغاصب.
هذا القلق الصهيوني الذي تصاعد بعد طوفان الأقصى، وبعد تصريحات الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية، إن ” زمن أسطورة الجيش الذي لا يقهر قد ولّى وإن المعركة الحالية ستكون فاصلة في تاريخ الأمة”.
وأضاف أبو عبيدة “أن زمن بيع الوهم للعالم حول أكذوبة الجيش الذي لا يقهر والميركافا الخارقة والاستخبارات المتفوقة، كل هذا انتهى زمنه وقد كسرناه وحطمناه أمام العالم في غلاف غزة وفي كل فلسطين”.
وفي إشارة للنبوءة التي تتداول في الأوساط الإسرائيلية، قال المتحدث أن “زمن انكسار الصهيونية قد بدأ ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم وليرجعوا إلى توراتهم وتلمودهم ليقرؤوا ذلك جيدا ولينتظروا أوان ذلتهم بفارغ الصبر”..”لعنة العقد الثامن”.
هذا الأمر عززته تصريحات قادة العدو على مر العقود..
ففي عام 2017 أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أنه يجب العمل على ضمان استمرارية كيان إسرائيل لمدة 100 عام، وأشار إلى أنه لم يحدث في التاريخ أن استمرت دولة يهودية لأكثر من 80 عاماً.
وقبله أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك مخاوفه من قرب زوال كيان إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين”.
وفي مقال له بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية قال باراك “على مرّ التاريخ اليهودي لم تعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.
وأضاف قائلًا إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
وأشار باراك إلى أنهم ليسوا وحدهم من أصابتهم لعنة العقد الثامن؛ “فأميركا نشبت فيها الحرب الأهلية في العقد الثامن من عمرها، وإيطاليا تحولت إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وألمانيا تحولت إلى دولة نازية في عقدها الثامن وكانت سببا في هزيمتها وتقسيمها، وفي العقد الثامن من عمر الثورة الشيوعية تفكك الاتحاد السوفياتي وانهار وانفرط عقده”.
وتابع باراك قائلا “إن إسرائيل تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء”، محذرا من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد، قائلا “أصبح من الواجب حساب النفس”، منبّها إلى أن “إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي”.
كما ذكر أن “العقد الثامن لإسرائيل بشّر بحالتين: بداية تفكك السيادة ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل، وبوصفنا كيانا وصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن يتملكنا العصف، في تجاهل فظ لتحذيرات التلمود”.
وأضاف باراك، الذي شغل سابقا منصب وزير الأمن ورئيس الوزراء الإسرائيلي، أن “العقد الثامن بشّر في الحالتين ببداية تفكك السيادة. في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجّوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعا لروما حتى خراب الهيكل الثاني”.
وتابع باراك “المشروع الصهيوني هو المحاولة الثالثة في التاريخ.. ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، نعجل النهاية، وننغمس في كراهية مجانية”.
“البيت الثالث”
وهذا الطرح أيضا تبناه الكاتب الصحفي آري شافيت، الذي استعرض -في كتابه “البيت الثالث” بالإشارة إلى “كيان إسرائيل”- كيف أصبح الإسرائيليون “العدو الأكبر لأنفسهم في العقد الثامن من قيام كيانهم، قائلا “يمكن مواجهة التحديات الأمنية، لكن تفكك الهوية لا يمكن التغلب عليه”.
إن هذا يهدد استمرار وجود الكيان لعقود، وما التهديد الوجودي الجديد الذي تواجهه سلطات الاحتلال، بسبب ما يشهده الكيان من حالة تفكك داخلي وفشل محاولات إعادة تجميعه، قائلا “لن يكون هناك بيت رابع. إسرائيل هي الفرصة الأخيرة للشعب اليهودي”.
وبحسب شافيت، إن “إسرائيل” معجزة قامت وسط الحروب والمتاعب والفشل والأخطاء، فتحقق الحلم الصهيوني”.
و”لكن في السنوات الأخيرة، شعرنا جميعا بالتهديد أن شيئا ما قد حدث بشكل خاطئ. فعلى الرغم من أن إسرائيل قصة نجاح نادرة، فإنها ممزقة ومصابة وتتألم وتنزف. لقد فقدت طريقها وضلّت البوصلة”.
مخاوف الزوال
وفي قراءة لفقدان البوصلة هذه، يعتقد الكاتب والمحلل الإسرائيلي روغل ألفر أن “إسرائيل” وقعت على شهادة زوالها، وعزا ذلك إلى أسباب عدة منها حرب متعددة الجبهات، إضافة إلى تفكك داخلي، وتفشي الفساد، والصراعات الداخلية بين التيارات اليهودية، والصراعات الثقافية في مجتمع الكيان الإسرائيلي.
وكتب ألفر -في صحيفة “هآرتس”- أنه “في الحرب المقبلة لإسرائيل مع الأعداء، سيتلقى المستوطنين الأوامر بالانتحار”.
واستذكر أنه عندما انتصر الجيش المصري واحتل بلدة “نيتسانيم” خلال حرب عام 1948 “في جنوب الكيان”، أصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك الأوامر بالقتال حتى الموت. وكذلك قتل الضباط والجنود اليهود الذين يقررون الاستسلام “للعدو”.
يقول الكاتب الإسرائيلي إنه منذ ذلك الحين تبلورت في إسرائيل “رؤية أن الآلاف منهم سيموتون في حالة اندلاع حرب متعددة الجبهات”.
وأكد أن “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتعمد الترويج للمستوطنين أن الحرب المقبلة -التي سيسقط فيها آلاف الصواريخ من لبنان وإيران وقطاع غزة على العمق الإسرائيلي، وسيقتل فيها آلاف المستوطنين- يعني نهاية الكيان لذلك تدفعهم للموت لبقائه مستمرا.
