مصاصو دماء القرن

بعد اغتصاب الأرض العربية، وإقامة الكيان الصهيوني فوق فلسطين المحتلة، نشطت الأجهزة والمؤسسات الثقافية الصهيونية لمحاولة نفي غربة الكيان الإسرائيلي الحضارية عن المنطقة التي اغتصبوا فيها أرض فلسطين العربية، وكان لابد لهؤلاء المستوطنين الغرباء أن ينتحلوا لأنفسهم تاريخاً وحضارة وتراثاً وهوية تعطي للكيان بذوراً يفتقر اليها.
وأخذ كتّاب الأدب والتاريخ الصهيوني منذ القرن التاسع عشر يعيدون كتابه التاريخ دون أن يقفوا عند مجرد تسجيل الوقائع من وجهة نظرهم، بل وصل بهم الأمر للقيام بعملية تشويه منظمّة للأديان بما فيها الدين اليهودي وللتاريخ العربي.
الحركة الصهيونية التي كانت تهدف إلى إحياء ما يسمى “الوعي القومي اليهودي” والدفاع عن “الطابع القومي اليهودي” على الرغم مما هو معروف من أن الجماعات اليهودية في شتى أنحاء العالم لم تكن تمتلك “لغتها القومية” الخاصة، بل كانت تستخدم لغة المجتمع الذي تعيش في رحابه أو خليطاً من تلك اللغة وبعض الكلمات والمصطلحات العبرية ذات المدلول الديني في غالب الأحوال.
لكن الحركة الصهيونية بعد أن سرقت فلسطين، واحتلتها، وزرعت الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين بدأ الصهاينة يحاولون سرقة التراث والتاريخ العربي وينسبونه لأنفسهم، بل إن المشكلة تعدت الدراسات والكتابات التي يمكن الرد عليها وتفنيدها.
لقد سرق الصهاينة الوطن الفلسطيني، وراحوا يختلقون لأنفسهم وجوداً تاريخياً على الأرض العربية وامتدت أياديهم لتسرق التراث والفن والتقاليد العربية وتنسبها إلى الإسرائيليين، وراحت مراكز الدراسات والأبحاث الصهيونية تصطنع الجذور الخيالية والأسطورية للإسرائيليين، من خلال الإدعاءات والحجج الكاذبة والواهية التي يطرحونها في الأسواق والمنابر العالمية لاسيما حول التراث والملابس العربية المطرزة والحلّي والجواهر والمشغولات المعدنية العربية، فضلاً عن أصناف الحلوى العربية والطعام العربي التي يدّعون أنها جميعاً نتاج “التراث الإسرائيلي”.
وتكتمل جوانب المخطط الصهيوني لسرقة التاريخ والتراث العربي حتى بالرقصات والأغاني الشعبية العربية، التي يقدمونها للعالم باعتبارها تاريخاً تراثياً شعبياً إسرائيلياً.
وهم في هذا الصدد لا يترددون في استخدام كل مفردات الفنون الشعبية والتراث الشعبي، وقد تم هذا كله في إطار خطة للمواجهة الثقافيه تجرد الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين من تراثهم وتاريخهم وهويتهم وتنسبه للإسرائيليين باعتباره تراثاً شعبياً إسرائيلياً.
ومن جمله الاعتداءات الصهيونيه على التراث الفلسطيني الاعتداء على التراث الديني المسيحي والتراث الاسلامي.
حيث سنأتي بالحديث حول عيد الفصح الذي أراد الصهاينة تشويهه، وطرح طقوس تعكس الهوية المجرمة والوحشية للصهاينة.
عيد الفصح من بين أهم الأعياد الدينية التي يشهدها الغرب والذي يحتفل به اليهود والمسيحيون في مواعيد متقاربة، لكن هناك فارقاً مؤكداً وكبيراً بينهما، فارقاً في المحتوي والعقيدة والتراث، وحتى في الممارسات الطقسية التي تجري.
يحتفل المسيحيّون العرب بعيد الفصح في فصل الربيع، لأن الطبيعة تتجدّد كل عام في هذا الفصل، ما يعني أن عيد القيامة ليسوع مثل عيد الفصح عند اليهود في هذا الشأن، حيث يحكُمُ في فصل الربيع.
فيقومون بمراقبة البدر حتى يكتمل والأحد الذي يلي اكتمال القمر إلى بدر يكون هو العيد الكبير عند الطائفة المسيحية ،وهذا التقويم يندرج تحت مسمّى التقويم اليولياني أو التقويم الشّرقي.. أما عيد فصح اليهود، فهنا تختلف العادات والتقاليد والطقوس تماماً.

الفصح اليهودي
تاريخياً فصح اليهود، الذي له روابط تاريخية مع قصة خروج “بني إسرائيل” من أرض مصر، في ما يعرف باسم “بيساح” أو العبور، أي عبور البحر الأحمر في زمن موسى النبي، ومن ثم اجتياز أرض سيناء للوصول إلى فلسطين، ومن بعده جاء عيد الفصح المسيحي المرتبط بقيامة أو بعث السيد المسيح بعد صلبه.
لا يقتصر الاحتفال بالفصح اليهودي على يوم واحد مثل سائر الأعياد، بل يستمر نحو سبعة أيام متواصلة، بين الـ15 من أبريل (نيسان) والـ20 من الشهر عينه حسب التقويم العبري، ويعرف أيضاً باسم عيد الفطير وعيد الحرية وعيد الربيع.
خلال الفصح يأكل اليهود في كل أنحاء العالم فطيراً، وهو عبارة عن خبز مسطح غير مخمر يسمى “ماتسوت”.

عيد الفصح اليهودي أو (بيساح) الذي يعني العبور بالعبرية، يمارسون طقوسهم لاستذكار المناسبة حسب قناعتهم، فيكون هنا الصوم اختيارياً عندهم باليوم الذي يسبق عيد الفصح، وتسمَّى عشيّة العيد عندهم باسم ليلة المنهاج، حيث يمتنع اليهود فيها عن أكل أي شيء يحتوي على الخميرة، ويكتفون فقط بتناول خبزٍ يسمّى “خبز المصّة”، وهو عبارة عن فطيرة مكونة من الماء والطحين ودم الأضحية التي يقدمونها، ويقومون بتناولها طوال فترة العيد من 15 نيسان من التقويم العبري حتى 21 من نيسان.
فطير صهيون
عرف هذا الفطير وفق المعتقدات الصهيونية المصطنعة التي كشفتها الوقائع، ولا علاقة لها بالدين اليهودي، بأنه الخبز الوحيد المسموح بأكله لليهودي في عيد الفصح من فصل الربيع “مرضاة للرب”.
وقد كان اليهود ومنذ العصور الوسطى يعجنون الدقيق الخاص بعيد الفصح مخلوطاً عجينه بدم ضحية بشرية من أبناء الكفار (كما يعتقدون) من المسلمين أو المسيحيين أو سواهم من غير اليهود فقد كانوا يقومون به سراً وبتكتم شديد.
ومن بين القصص المخيفة التي تذكر عن هذا الفطير جريمة قتل الراهب “توما الكبوشي” وخادمه بستاني الدير المسلم (إبراهيم عمارة) في دمشق، أوائل عام 1840م. على يد طائفة من اليهود، وتصفية دمهما لصنع “خبزهم المقدس”.
وقد حصلت قصة مشابهة في الجزائر قبلها بمئة عام عندما خطف اليهود طفلاً مسيحياً عمره 8 سنوات، وقاموا بقتله وتصفية دمه لصنع فطيرهم.

يُقصد بـِ “فرية الدم” التي تُلصق باليهود، عادة، أن لدى اليهود طقساً دينياً يحتاجون لإتمامه إلى دم طفل أو شاب مسيحي. وهذا الدم يُخلط بعجين الفصح اليهودي (الماتزوت)، ويُقدم في احتفال خاص بهذا العيد.
وتعود هذه التهمة إلى منتصف القرن الثاني عشر، عندما بدأ اليهود يظهرون في أوروبا مرابين نشطين وذوي حضور مالي، فتحولوا في المخيلة الشعبية، وفي لغة العامة، إلى “مصاصي دماء”.
وساعد في رسم هذه الصورة مخزون الذاكرة الشعبية المملوءة بالكراهية لليهود، لأنهم “قَتَلة المسيح”.
في الحقيقة – ثبت ذلك أم لم يثبت – إن ما تشهده غزة اليوم من جرائم تندى لها جبين الإنسانية بالأسى والحزن، وما شهدته فلسطين المحتلة طيلة فترة الكيان الغاصب، يؤكد حقيقة أن الصهاينة هم مصاصو الدماء في قرننا الحالي الذين يعيثون خراباً وقتلاً في فلسطين الحبيبة.

عبد الحميد غانم

مواضيع ذات صلة: