د. نزار بوش | أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم الإنسانية في موسكو
الخطة التي رسمها الأمريكيون والبريطانيون والصهاينة للفلسطينيين هي:
أن تبدأ إسرائيل الحرب ضد الفلسطينيين بأي حجة، وحتى لو لم تبدأ فصائل القسام عمليتها في السابع من أكتوبر\تشرين ثاني، كانت إسرائيل ستبدأ حربا ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
الحرب الإسرائيلية اليوم، ضد الشعب الفلسطيني في غزة مدعومة من أغنى وأقوى دول العالم بما فيها دول عربية، والهدف الإسرائيلي، هو تفريغ غزة من سكانها، والطريقة الأفضل لذلك كما يعتقد العبريون، إن كانوا سياسيين أو رجال دين، هو قتل أكبر عدد من الفلسطينيين وتدمير كل المساكن والأبنية والمرافق الصحية والبنية التحتية في غزة، حتى لا تبقى الأرض صالحة للسكن، وهذا فعليا ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيل النازي.
ومن ثم تهجير ما تبقى من الفلسطينيين وتوزيعهم إلى عدة دول. بداية ستفتح بعض دول العالم أبوابها للفلسطينيين، مثل كندا وأستراليا ونيوزيلاندا، وربما السويد وألمانيا. وستتكفل هذه الدول بتأمين السكن والمأكل للمهجرين، وبالتالي، ترتاح إسرائيل وتطمئن على حالتها الديموغرافية، لأن وجود الفلسطينيين حتى بدون حرب، تعتبرها إسرائيل خطرا عليها، بسبب أن عدد الفلسطينيين سيصبح أكثر من عدد اليهود خلال العقد والنصف القادم.
لكن التهجير لن يقتصر على غزة وحسب، بل ستنتقل إسرائيل للحرب ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وستطبق نفس السيناريو، بتأييد عربي وغربي، وسيتم قتل وإبادة جماعية لسكان الضفة ومن ثم تهجير الشعب الفلسطيني إلى الأردن والدول التي ذكرناها آنفا، أي نفس السيناريو الذي يفعلونه في غزة الآن.
وعندما نسمع أن واشنطن تريد إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، ليس المقصود على الأراضي الفلسطينية، بل في سيناء، أي القسم الذي سيتم تهجيره من الفلسطينيين إلى سيناء، يمكن أن يشكلوا منه كونتونا تحت اسم “دويلة فلسطين” منزوعة السيادة، ويسيطر عليها البريطانيون والمصريون والأمريكيون.
ما معنى أن تستخدم أمريكا حق النقض الفيتو عدة مرات ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة؟
باختصار، إن الولايات المتحدة باستخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار في غزة، هو ضوء أخضر لإسرائيل، لقتل أكبر عدد من أطفال ونساء فلسطين. فالنساء كما يقولون ولادات والأطفال سيصبحون رجالا وسيقاومون الاحتلال، لذلك نرى أن الجيش الإسرائيلي المجرم يستهدف الأطفال والنساء أكثر من غيرهم.
وعندما سُئلت هيلاري كلينتون عما إذا كانت قد صُدمت من هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين في غزة. قالت هيلاري إنها لم تُصدم لأن هذا يحدث في الحرب. وكان لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس. وبعد ذلك، صرخت صحفية في المكان وقالت لها: إنك تبرري الإبادة الجماعية، عندها تم إخراج المرأة التي قالت هذا.
يذكرني ذلك بما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت عام 1991، عندما سألتها الصحفية ليزي شتال، “سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي ماتوا جراء الحرب والعقوبات الأمريكية على العراق، وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما، هل الثمن يستحق؟
أجابت أولبرايت قائلة: “أعتقد أن ذلك خيار صعب جدا ولكن نعتقد أن الثمن يستحق ذلك”.
هذه هي السياسة الأمريكية، القتل وإرهاب الشعوب تحت عناوين، الحرية، والديمقراطية ومحاربة الإرهاب. حياة الشعوب بالنسبة للأمريكيين لا تساوي قشة على بيدر.
هل ستتوقف إسرائيل بعد نهاية الحرب على غزة؟
كل العالم يعرف أن إسرائيل دولة احتلال مصطنعة، وهي أكبر تجمع لليهود الذين جاؤوا إلى أرض فلسطين على مدى 80 عاما، ودعم الغرب هجرة اليهود من أوروبا والاتحاد السوفييتي، حتى يتخلصوا منهم، لما كانوا يشكلونه من مشاكل وفتن وخطر على المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها، واليوم نرى أن الغرب يدعم إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وأحد أهم الأسباب لهذا الدعم هو عدم رغبة الدول الأوروبية رؤية اليهود وهم يعودون إليها، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فالأمر مختلف قليلا، فأمريكا تعتبر إسرائيل أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط والعالم، ومن خلالها تنفذ تهديداتها لدول الشرق الأوسط وحكامها، إضافة إلى ذلك تبقى إسرائيل مصدر عدم استقرار للمنطقة، وهذا هدف أمريكي، فالولايات المتحدة لا تريد أن ترى شرق أوسط مستقر وهادئ. عدا ذلك نعرف أن اللوبي اليهودي الإسرائيلي هو الذي يحكم الولايات المتحدة الأمريكية، فكلنا يذكر عندما وصل وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن إلى مطار بن غوريون في تل أبيب لدعم إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، قال حرفيا: أنا جئت إلى إسرائيل كوني يهوديا وليس وزير خارجية أمريكا وحسب.
وكما قلنا، إسرائيل لن تتوقف عند غزة ولا الضفة الغربية، فهي تريد الذهاب بحربها إلى أبعد من ذلك، فحسب ما جاء في التوراة، أرض مصر والأردن ولبنان مرورا بدمشق إلى بغداد وصولا إلى الكعبة المشرفة والمدينة المنورة، أرض إسرائيلية، وأيضا لن تتوقف عن السعي للهيمنة على شمال إفريقيا الغنية بالغاز والثروات، طالما هناك دعم أمريكي وأوروبي دون حدود، وطالما أن الحكام العرب ونفطهم وثرواتهم في يد البريطاني والأمريكي، فيما البلدان العربية تستورد ولا تصنع، وطالما الشعوب العربية مخدرة بالفقر والبحث عن لقمة يومها فقط.
هل تستطيع إسرائيل البقاء على قيد الحياة؟
من خلال ما تقدمت به آنفا، تبدو الصورة غير مبشرة، وهناك من سيقول نعم إن إسرائيل ستحقق كل ما تخطط له.
لكن وليس من قبيل العاطفة، أقول: الأمر ليس محسوما لصالح إسرائيل الكيان المصطنع، فالشعوب رغم فقرها لا تستطيع التعايش مع “الإسرائيليين” وخاصة بعد ما رأته من جرائم ومجازر نفذها الجيش الإسرائيل بحق أطفال ونساء ورجال غزة في المستشفيات والبيوت والشوارع وأماكن الإيواء. عداك عن الجرائم التي نفذها اليهود بحق سكان المنطقة تاريخيا.
للشعوب ذاكرة أقوى من ذاكرة الحكام ولا يمكن أن تنسى من كان السبب في مآسيها وموتها وتجويعها.
إسرائيل هذا الكيان المصطنع رغم دعم الغرب له لم يستطع على مدى أكثر من 75 عاما أن يكون آمنا، ولن يكون في المستقبل