العميد د. أمين محمد حطيط*
بهدف استعادة أسرى تحتفظ بهم المقاومة الفلسطينية منذ 8 أشهر لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين لدى «إسرائيل». أقدم جيش العدو الإسرائيلي وبمشاركة كاملة مع قوات دلتا الأميركية، أقدم التشكيل الأميركي «الإسرائيلي» المركب مدعوماً ومسنداً بنيران تدميريّة من مدفعية وصواريخ القوات البحرية والجوية والبرية، على شنّ عملية عسكرية استهدفت مخيّم النصيرات في قطاع غزة، المخيّم الذي كشفت المخابرات الأميركية والبريطانية انّ بعض الأسرى الإسرائيليين محتجزون فيه.
نفذت العملية من قبل الجيش «الإسرائيلي» والموساد والشاباك وقوات دلتا الأميركية وبدعم من المخابرات الأميركية والبريطانية، وبمشاركة فعّالة من قيادة المنطقة الوسطى الأميركية مع الاستعانة أيضاً بجنرالات أميركيّين في الخدمة الفعلية والتقاعد وبحشد عسكري قتالي تجاوز الـ 1500 عسكري تسندهم عشرات منصات الصواريخ والمدفعية مع الطيران والبحرية والأخطر من كلّ ما استعمل هو اللجوء إلى الخداع القذر عبر استعمال شاحنة المساعدات الغذائية والرصيف الأميركي العائم من أجل تحشيد ونقل بعض من أفراد القوى التي ساهمت بالاقتحام.
أسفرت العملية التي زعم نتنياهو بأنها «عملية بطولية» عن الوصول الى مخبأ 4 أسرى وإخراجهم منه في مقابل قتل 3 أسرى إسرائيليين وإصابة أو قتل ما مجموعه 9 عسكريين إسرائيليين فيهم ضابط من وحدة «يمام» (وحدة المهام الخاصة) أما على الصعيد الفلسطيني فقد أدّت العملية الى إصابة واستشهاد ما يقرب من ألف مواطن فلسطيني 70% منهم من الأطفال والنساء، وارتكبت القوات المشاركة بهذه العملية التي توصف عسكرياً بأنها عملية قذرة نفذت بنفس وحشي إجرامي، ارتكبت فظائع ومجازر ومذابح يندر وجود مثيلها في تاريخ الحروب والصراعات العسكرية.
نعم إنّها عملية وحشية قذرة جاءت مفاعليها وتداعياتها السلبية أكبر بكثير من المردود الإيجابي لـ «إسرائيل»، حيث إننا نسجل بشأنها ما يلي:
أولاً: على صعيد التحشيد وتنظيم القوى المشاركة. أكدت المشاركة الأميركية والبريطانية وبهذا الحجم الكبير والأساسي، أكدت أنّ «إسرائيل» فقدت مركز الطرف العسكري القادر على فعل ما يريد مهما كان معقداً وخطراً وصعباً، وأنها بحاجة مؤكدة للدعم العسكري والإسناد العملاني واللوجستي والاستخباري من أطراف آخرين، وعليه نقول إنّه لو لم تتوفر المساعدة لا بل المشاركة الأميركية وبهذا الحجم لكان تعذّر على الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلي القيام بها، ما يجعلنا نقول بأنّ عهد معادلة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر وأنّ «إسرائيل» تحمي نفسها بنفسها، عهد ولّى الى غير رجعة.
ثانياً: على صعيد التنفيذ واستعمال القوى والمناورة، خرقت العملية قاعدة التناسب والضرورة وقاعدة الاقتصاد بالقوى وارتكبت جريمة إبادة جماعيّة تمثلت بقتل وإصابة أكثر من ألف مواطن فلسطيني من أجل الوصول الى أربعة أسرى، واستعملت النيران والأسلحة التدميريّة التي لا تقتضيها أو توجبها المهمة، وانّ القوى المهاجمة والمساندة لم تمارس قتالاً من أجل هدف عسكري بل مارست وعن قصد واضح جريمة القتل العمد منتهكة بذلك قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وكلّ القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية.
ثالثاً: على صعيد النتائج المحقّقة من الأرباح والخسائر. هنا تكمن الصورة المفجعة أيضاً، حيث إنّ مهمة استعملت فيها كلّ تلك القوى والنيران واستهلكت كلّ ذاك الإنفاق المفرط لم تحقق أكثر من استعادة 4 أسرى إسرائيليين مقابل قتل 3 أسرى فشلت القوة المهاجمة من الوصول اليهم، كما وأصيب أو قتل من القوة المهاجمة ما يصل الى 9 عسكريين فيهم ضابط رفيع في وحدة يمام التي شاركت في تنفيذ العملية. كما أدت العملية كما ذكرنا الى إصابة ألف فلسطيني بين شهيد ومصاب.
أما على صعيد التقييم العام والمفاعيل المترتبة على هذه العملية فإننا نسجل ما يلي:
ـ لم تحلّ العملية مشكلة الأسرى التي يدّعي نتنياهو أنّ حلها لن يكون إلا بمزيد من الضغط بالقوة العسكرية، وأدّت الى قتل 3 منهم مقابل إخراج 4 ومع قتل او إصابة 9 من القوة المهاجمة، فإذا طبّقنا القاعدة على من تبقى من الأسرى لحلّ قضيتهم فإننا نصل الى أرقام مخيفة من الخسائر على صعيد الطرفين المتواجهين وأرقام لا يمكن أن يقبلها عاقل متزن، ما يقود الى القول انّ عملية النصيرات أدّت الى القتل والخسائر المادية ولم تغيّر من طبيعة الحلّ للأسرى، هذا الحلّ الذي كان قبل العملية متمثلاً بصفقة تبادل عادلة ويبقى بعد العملية رهناً بهذه الصفقة.
ـ أدّت العملية الى هدر الجهد والإنفاق والتدمير من غير موجب وأكدت انّ «إسرائيل» وجيشها يتحركان خارج القيم والأخلاق والمبادئ الإنسانية ويستسهلان ارتكاب الجرائم من غير مبرّر أو سبب ما سيرتدّ في نهاية المطاف على «إسرائيل» وموقعها الدولي وهي بدأت تعيش العزلة الدولية التي يشتدّ خناقها عليها مهما غالت وادّعت خلاف ذلك.
فضحت العملية حقيقة الوحشية الإسرائيلية مع التأكيد على الوهن القتالي والخفة في التخطيط ما يذكرنا بقول بعض جنرالات سابقين في الجيش الإسرائيلي بأنّ هذا الجيش يعمل بل خطط موضوعية.
ـ خسرت «إسرائيل» بعد هذه العملية الباهظة الثمن، وخلافاً لما يدّعي نتنياهو بأنها عملية بطولية، خسرت ورقة ما تسمّيه تحرير الأسرى بالقوة، ولا اعتقد أنّ أميركا ستشاركها أو ستجاريها بهذا الشأن إذا عادت إليه أو طرحت عملية مشابهة.
ـ أما على الصعيد الأميركي فإننا نرى انّ هذه العملية فضحت وبدون شكّ او لبس الدور الأميركي في الانخراط بالحرب وكشفت مستوى الخداع الأميركي عندما تدّعي النزاهة في الوساطة، كما كشفت حقيقة الرصيف الأميركي العائم الذي تبيّن أنه قاعدة عسكرية لقتل الفلسطينيين وليس رصيفاً خيرياً لتقديم المساعدات لهم.
وفي الخلاصة نقول إنّ عملية النصيرات الإجرامية، التي حاولت أن تجعل «إسرائيل» منها «عملية بطولية» مشرقة تعيدها إلى أمجاد انتصاراتها التي تتغنّى بها، إنّ هذه العملية جاءت في طبيعتها قذرة وفي نتائجها دون المستوى المقبول عسكرياً، وإنها أقفلت طرق وفضحت حقائق تتصل بـ «إسرائيل» وأميركا، وأكدت أنّ المقاومة بشكيمتها وقوّتها تجبر العدو على التخبّط والتحرّك في الميدان من غير أن يصل إلى ما يصبو إليه من أهداف…
*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي.