هيثم موسى حسن | أضحى مصطلح «الإرهاب» Le Terrorisme وما يشتقّ منه من أكثر المصطلحات غموضاً وإثارة للجدل والنقاش في عالمنا المعاصر وعلى جميع المستويات القانونية والسياسية والاجتماعيّة الداخلية والدوليّة، حتّى بات سلاحاً سياساً بيد بعض الدول تشهره – تعسّفاً – ضد بعضها الآخر لتحقيق أهداف مختلفة… ولاسيما أنّه لا يوجد حتّى تاريخه تعريفٌ موحّد له ومتّفق عليه دولياً. ومن المعروف أنّ تحديد معاني المصطلحات – ولاسيما في العلوم الاجتماعيّة والسياسية – مثله مثل كلّ فعل بشري لابدّ أن يعكس مصالح واضعي التعريف، فوضع التعريف يتضّمن إذاً ممارسة للسلطة. وكما يقول الأستاذ ناعوم تشومسكي فإنّ «مصطلحات السياسة لها معنيان: أولهما المعنى المعجمي المتعارف عليه، والثاني المعنى الذي يخدم أيديولوجية الطرف الأقوى». ويرجع السبب المباشر – إضافة إلى أسباب أخرى – في عدم الاتفاق على تحديد مضمون هذه المصطلحات وجوهرها، والتباين الشديد حول ماهيتها إلى اعتبارات تتعلّق بكونها مصطلحات تدلّ على ظواهر سياسيّة واجتماعية، وهذه الظواهر مركّبة ومعقدة ومتغيرة بطبيعتها، وبالتالي فإنّ المفاهيم أو المصطلحات الدالة عليها تتّسم بالعمومية والتعقيد والتعدّد.
من هنا فإنّه وكما يقول الأستاذ محمد عزيز شكري: «قلما استخدمت في العلاقات الدوليّة المعاصرة كلمة أو أسيء استخدامها على نحو تعسّفي أكثر من كلمة الإرهاب». فالإرهاب – تبعاً لذلك – صفة ذميمة تُنسب دائماً إلى الآخرين، وتطول الأعداء وحدهم، ومن هذه الزاوية ظهرت ازدواجية التعامل مع هذه الظاهرة من خلال تركيزها في مقولة: «المناضل هو إرهابي بنظر بعضهم ومقاتل من أجل الحرية في نظر بعضهم الآخر». والمشكلة الكبرى المتولدة عن هذه الازدواجية في الممارسة السياسية – وكما يلاحظها تشومسكي – «أنّه – وبسبب من ذاكرة الغرب الانتقائية بما يلائمها – فإنّ أعمال العرب والمسلمين وحدهما هي التي ترسخ على أنّها نكبات الإرهاب الشريرة!».
وهذا يعني – استنتاجاً – أنّ النظرة الأخلاقية حتّى القانونية للإرهاب والإرهابيين تأخذ أبعاداً شخصية ومضامين ذاتية، إذ إنّه لا يتمّ الحكم على الحدث والفعل في ذاته ولذاته، وإنّما يتمّ من خلال موقف الأطراف السياسي من الفاعل وممن يقع عليهم الفعل… وقد يختلف ويتغيّر هذا الحكم جذرياً تبعاً لتغيّر صفات الفاعل ومواقفه السياسية ومواقعه بين صديق أو عدو. فيغدو الفعل الواحد وبالخصائص ذاتها «مشروعاً» فيما إذا وقع من الصديق، و«إرهابياً» فيما إذا قام به العدو!!
وبغية الوقوف على حقيقة هذا المصطلح وما يعنيه لابدّ من التعرّف أولاً إلى التطوّر التاريخي لمفهومه ودلالاته اللغوية والسياسية:
أولاً- التطوّر التاريخي لمفهوم الإرهاب ودلالاته اللغوية والسياسية:
يمكن القول: إنّ جذور الإرهاب والعنف السياسي ضاربة في القدم وملازمة للإنسان طوال العصور والأزمان. إذ إنّ إرهاب اليوم يمثّل امتداداً لإرهاب الأمس وإن اختلفت الوسائل والأهداف ودرجات الخطورة والجسامة بينهما. وبحسب بعض الدراسات التاريخية فإنّ حركة السيكاريين التي تكوّنت في فلسطين بين عامي 66-73م من مجموعة من المتعصّبين اليهود الذين عرفوا باسم «الغيورين» Zelotes تعدّ من أقدم الحركات الإرهابيّة التي لجأت إلى أساليب وتكتيكات إرهابية خارجة عن نطاق الأعراف والتقاليد المعروفة… وكان سلاحهم المفضّل في عملياتهم هذه السيف القصير والمسمّى «Sica» ومنه اشتق اسم حركتهم… ويمكن التشديد على أنّ الإرهاب بوصفه عملاً عنيفاً يثير الرعب والخوف في النفوس قديم قدم الإنسان ذاته، بيد أنّه كان ينتهي بمجرّد وقوع هذا الفعل ودون أن يستغل الفاعل – على نحو منهجي – الآثار الناجمة عنه في تحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية على نحو منظّم ومدروس… وكان هذا الفعل يسمّى «ترهيباً» Terruer وفقاً لقاموس الأكاديمية الفرنسية المنشور عام 1694، ومعناه: «رعب، خوف شديد، اضطراب عنيف تحدثه في النفس صورة شرّ حاضر أو خطر قريب»، ومعنى الترهيب أو الرهبة Terruer وفقاً لذلك كان محصوراً في المجال الفردي فحسب دون أن يتعدّاه إلى المجال الاجتماعي… أو لنقل: إنّه لم يكن يحمل معنى الأداة أو الوسيلة التي يستخدمها الفاعل بصورة هادفة ومقصودة للوصول إلى هدف اجتماعي – سياسي محدد.
ومع قيام الثورة الفرنسية عام 1789م طرأت تحولات جذرية على مدلولات هذا المصطلح، أدّت إلى إعطاء معانٍ جديدة له؛ إذ أصبح «وسيلة» يستعملها الفاعل المدرك لمزاياه لتحقيق أهداف محددة. وهذا ما طبقه أصحاب الثورة الفرنسية باستفادتهم من خصائص الرهبة Terruer من حيث مفعولها في الناس وتأثيرها فيهم، ورفعها إلى مستوى «الوسيلة في الحكم»، وبالتالي فإنّهم أبرزوا البعد الاجتماعي الذي تستطيع أن تحمله هذه العبارة، وأسندوا إليها دوراً سياسياً، أدّى بالنتيجة إلى إيجاد مصطلح إرهاب Terrorisme المشتق من كلمة الرهبة Terreur، وبالمعنى الذي يفيد أنّ «الإرهاب أصبح وسيلة أو أداة للحكم» عن طريق الاستفادة من النتائج المترتبة على الرهبة وتوظيف الآثار الناجمة عنها لتحقيق أهداف اجتماعية أو سياسية تخدم مصالح الطبقة والسلطة الحاكمة وتوجهاتها.
بمعنى آخر فإنّ الرهبة لم تعد عملية منتهية من حيث الفعل والآثار بمجرّد وقوع العمل المؤدي إليها – كما كان الأمر سابقاً – وإنّما أضحت مع الثورة الفرنسية والأعمال التي قام بها قادتها، أداة أو وسيلة للوصول إلى أهداف أخرى – سياسية بالدرجة الأولى – على مطية الآثار الناجمة عن فعل الرهبة. ومن هنا ومنذ هذا التاريخ تحوّلت الرهبة Terreur إلى نظام في الحكم أو أداة للاستمرار فيه أو وسيلة للسيطرة، فنشأ نظام الإرهاب Terrorisme ذو الوظيفة الأداتية أو الوسيلية Fonction instrumentale، والذي تحتكره الطبقة الحاكمة أو السلطة السياسية، وتسبغ عليه الشرعيّة القانونية، ويمكن تسميته بالإرهاب الرسمي أو إرهاب الأقوياء.
مع ظهور حركتي الفوضويين والعدميّين اللتين ترفضان وجود الدولة والسلطة معاً، فقد طرأ تحوّل على مفهوم الإرهاب السابق، وذلك من جهة الفاعل أو الجهة التي تحتكره أو تستخدمه، بحيث أصبح وسيلة بيد الجماهير وأفراد الشعب ضد النظام الحاكم وسلطات الدولة، ويُستخدم من قبلهم بغية تقويض دعائم هذه السلطات والنظام القائم والقضاء عليه. ويمكن تسمية هذا الإرهاب بإرهاب الضعفاء، أو الإرهاب الشعبي.
ويشهد التاريخ المعاصر كلا النموذجين من الإرهاب، من حيث الممارسة والمعايشة الواقعية والسياسية، أي إرهاب الأقوياء وإرهاب الضعفاء، لكن كلّ لأسبابه ولأهدافه… ولذلك يجب ملاحظة أنّه لا يكفي لتقرير شرعية أيٍّ من النموذجين أو عدم شرعيته النظر إلى موقع من يمارسه وصفته فحسب، بل لابدّ من الأخذ بالحسبان جميع الظروف والاعتبارات التي قد تؤدي إلى ظهور أيّ من هذين النموذجين؛ لأنّه لو اكتُفي بالنظر إلى موقع من يمارس «الإرهاب» وصفته من حيث علاقته بالسلطة أو ممارسته لها؛ لأدّى بنا الحال إلى تقرير شرعية الإرهاب الممارس من قبل الدولة وأجهزتها الرسمية أو ما يقوم مقامها بعدّها تمثّل -ولو شكلياً – الشرعيّة القانونية، ومن ثمّ إلى تقرير عدم شرعية الإرهاب الممارس من قبل الضعفاء ممن هم خارج السلطة وإدانته؛ ولاسيما إذا اقترنت بصفة «الضعف» هذه صفتا الظلم وإنكار حقوقهم واغتصابها. ومن هنا تظهر أهمية دراسة أسباب الإرهاب والظروف المؤدية إليه على الأقل في تقدير طرق مكافحته ومحاربته بالقضاء على جذوره نهائياً، إذ إنّه «حينما يزول المستنقع يختفي البعوض!».
ثانياً – أنواع الإرهاب:
قبل تحديد أنواع الإرهاب يمكن القول مبدئياً: إنّ خطورة الإرهاب – أياً كان فاعله أو أسبابه أو أهدافه أو أنواعه – لا تنبع فحسب من التزايد الكمي والنوعي له، بل بعدّ هذا الفعل يشكّل اعتداءً خطيراً على المدنيّة والبشريّة جمعاء وعلى النظام العام الوطني والدولي على السواء وعلى الأمن والمصالح العليا للإنسانية. ومن هذه الزاوية، فإذا كان ممكناً النظر إلى الإرهاب بحسبانه أحد أهمّ الأسباب المؤدية إلى إشاعة الفوضى والتخريب والتوتّر في العلاقات الدوليّة؛ فإنّه انطلاقاً منها وبالدرجة نفسها من اليقين يمكن حسبانه من أهمّ إفرازات استمرار المنازعات والصراعات الدوليّة ونتائجه، وتفشّي الظلم والاستغلال، وإنكار حقوق الإنسان والشعوب، وغياب العدالة الدوليّة أو تغييبها!
وخطورة العمل الإرهابي لا تقاس بما يخلفه من قتلى وجرحى وخسائر مادية فقط، وإنّما تقدّر خطورته وجسامته بما يمتلكه هذا العمل من قدرة على نشر الرعب والخوف والذعر بين صفوف الناس، وبالشكل الذي يضمن لمنفذيه شروطاً أفضل في مواجهة الطرف الذي وقع العمل الإرهابي ضده لفرض مطالبهم وشروطهم. ومبعث الاهتمام والقلق من هذه الأعمال الإرهابيّة إنّما يرجع إلى كونها تعدّ أفعالاً رمزية، لا يهمّها كثيراً النتيجة أو الضحية المباشرة لها بقدر ما يهمّها النتائج والآثار الأخرى التي ستتولد عنها لاحقاً من واقع كونها أعمالاً لا تنتهي نتائجها وآثارها بمجرّد تمام ارتكابها كباقي الجرائم الأخرى. ولذلك وكما يقول ريمون آرون: «يُوصف الفعل العنيف بأنّه فعل إرهابي عندما تكون الآثار «السيكولوجية» النفسية الناجمة عنه كبيرة جداً وغير متناسبة إطلاقاً مع النتائج المادية المباشرة المترتبة عليه».
ومما يضاعف من خطورة الأعمال الإرهابيّة ويفاقم من آثارها التدميرية على العلاقات الإنسانية والحضارية في المجتمع الدولي المعاصر أنّها أصبحت أعمالاً لا تعرف حدوداً ولا سدوداً سواء من حيث النطاق الجغرافي أم من حيث ضحاياها من الأفراد أو الدول، أم من حيث الوسائل والأسلحة المستخدمة فيها، أم من حيث توقيت اللجوء إليها، أم من حيث آثارها المدمّرة بإثارة الرعب والخوف بلا تمييز فضلاً عن خسائرها المادية الجسيمة… وكذلك من واقع كونها أعمالاً أصبح لها من صفتي العمومية والانتشار ما يستدعي القول: إنّها لا تختص بدين أو حضارة أو قومية أو شعب ما.
وبناء على ما تقدّم وفضلاً عن النموذجين المشار إليهما آنفاً من نماذج الإرهاب (إرهاب الأقوياء وإرهاب الضعفاء) يمكن تحديد أهمّ أنواع الإرهاب على الشكل الآتي:
1- الإرهاب الداخلي: وهو جملة الأفعال الإرهابيّة التي تتمّ بجميع مراحلها من التخطيط والتمويل والتنفيذ داخل الحدود الإقليمية للدولة، وتنحصر الآثار الناجمة عنها ضمنها، وبالتالي فإنّها تقع تحت طائلة القانون الجنائي الوطني، وسواء أكانت الجهة التي تتبناها الدولة ذاتها عبر أجهزتها المختلفة أم فرداً أم مجموعة من الأفراد أم حركة ما، ويجب ملاحظة أنّه يصعب إلى حدّ كبير تصنيف هذه الأعمال على أنّها أعمال إرهابية وطنية/داخلية صرفة؛ وذلك لتدخّل العناصر غير الوطنية فيها سواء من حيث التخطيط أم التمويل أم التنفيذ أم الآثار… أم الضحايا… إلخ.
2- الإرهاب الدولي: وهو الإرهاب الداخلي إذا صادفه عنصر أجنبي من حيث التخطيط أو التمويل أو التنفيذ أو امتداد آثاره لأكثر من دولة واحدة، وهو الأكثر شيوعاً في العلاقات الدوليّة، كما أنّه الأكثر خطورة وجسامة. وقد تمارسه الدولة أو تشترك في تنفيذه عدة دول (إرهاب دولة) أو يكون عملاً من أعمال الأفراد أو الحركات أو المنظمات إذا تجاوز من حيث تمويله أو التخطيط له أو آثاره الحدود الإقليمية لدولة ما.
3- إرهاب الدولة: وهو الإرهاب الذي تتبناه الدولة أو ينسب إليها أو تحرّض أو تشجّع على ارتكابه ضد دولة أخرى أو شعب أو حركات أو منظمات أو أفراد… وقد ذهب بعضهم إلى إنكار هذه الصفة أو المسمى إرهاب الدولة؛ لأنّ جريمة الإرهاب لا يرتكبها إلاّ أفراد، ومن غير المتصور ارتكاب الدولة لهذه الجريمة… فالدولة طبقاً لقواعد القانون الدولي لا تكون إلاّ دولة معتدية. ولكن الرأي الراجح يذهب إلى الإقرار بوجود إرهاب الدولة، ومن ثمّ نعتها بأنّها «دولة إرهابية» إذا قامت – عبر أجهزتها أو وكلائها أو عملائها – بممارسة أعمال إرهابية أو تشجيعها أو التحريض عليها بقصد الاعتداء على دول أو شعوب أخرى، أو احتلال أراضيها والاستيطان فوقها ونهب ثرواتها، أو بغية ترهيب السكان الأصليين وترويعهم بقصد تهجيرهم وطردهم من أراضيهم وأوطانهم كما تفعل «إسرائيل» بحقّ أبناء الشعب العربي الفلسطيني.
4- الإرهاب الفردي وإرهاب الحركات أو المنظمات السياسية: وهو الإرهاب الذي يلجأ إليه الأفراد أو الحركات والمنظمات السياسية والعسكرية في مواجهة دولة أو دول محددة لتحقيق أهداف معيّنة أو فرض شروط أفضل لم يكن بالمستطاع تحقيقها كلياً أو جزئياً – بالنظر لضعف الإمكانات المادية والعسكرية لهؤلاء الأفراد والحركات- بإعلان حرب مفتوحة وتقليدية في مواجهة هذه الدولة أو الدول المقصودة بهذه الأعمال، وذلك اعتماداً أو قياساً واستفادة من القواعد التي تقوم عليها حرب العصابات، ولعلّ من أهمّها: «اضرب عدوّك واهرب»، «اضرب عدوّك وانشر قضيتك».
5- ويمكن تصنيف الإرهاب بحسب الوسائل والأسلحة المستخدمة فيه أو الأهداف المراد تحقيقها من خلاله في إرهاب تقليدي ونووي وبيولوجي ومعلوماتي وسياسي وفكري… أو بحسب الزمان الذي يقع فيه في إرهاب زمن السلم وإرهاب زمن الحرب… إلخ.
6- ويمكن تقسيم الإرهاب بحسب الأساليب التي يلجأ إليها الإرهابيون في تنفيذ عملياتهم إلى الإرهاب الذي يعتمد على أسلوب التفجيرات، وهو الأكثر شيوعاً، كما هناك الاختطاف واحتجاز الرهائن، والسطو المسلّح، وتخريب المنشآت الحيوية والاستراتيجية في الدولة وتدميرها، وكذلك الاغتيالات وخطف الطائرات.
ثالثاً- تعريف الإرهاب:
تثير مسألة تعريف الإرهاب – والإرهاب الدولي تحديداً – العديد من المشاكل وتعترضها جملة من الصعوبات، مردّها عدم الاتفاق على تحديد مضمونه، والاختلاف بشأن بيان ماهيته وجوهره؛ ولاسيما بعد تطبيق هذا المصطلح على عدد كبير من أعمال العنف وإطلاقه، لا يمكن موضوعياً وصفها بالإرهاب على نحو مطلق… إذ إنّ بعض الدول تسمّي إرهاباً كلّ عمل يقوم به خصومها السياسيون، في حين أعداء هذه الدول يحسبون أنفسهم ضحايا إرهابها..!! وهذا القول يعكس فعلياً أيديولوجيتين متناقضتين، لا يمكن التوفيق بينهما بسهولة، إحداهما تحسب العمل الإرهابي عملاً إجرامياً لا يمكن تسويغه تحت أيّ ظرف، وتعدّه الثانية عملاً مشروعاً ولاسيما إذا قامت مبرراته الموضوعية أو جاء على سبيل المعاملة بالمثل… ومن هذه الزاوية فإنّ تقرير شرعية هذا العمل أو عدم شرعيته وضعت المفكرين والباحثين أمام معضلة تقديم تعريف محايد للإرهاب، ولاسيما أنّ غالبية الدول الغربيّة تركز على موضوع الإرهاب الفردي؛ في حين تعدّ دول العالم الثالث – بما فيها الدول العربيّة – أنّ إرهاب الدولة هو أس البلاء في الإرهاب. وأمام هذا الواقع تدافع الدول الغربيّة عن رأيها بعدم جدوى تقديم تعريف محدد للإرهاب؛ لأنّ هذا العمل – كما تزعم – مضيعة للوقت أمام استفحال مخاطره وآثاره، في حين تصرّ الدول الأخرى على أهميّة التوصّل إلى هذا التعريف المنشود في سبيل تحديد طرق مكافحته ومحاربته على قاعدة أنّه لا يمكن عملياً محاربة الأشياء المجهولة! ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى أهمية الدعوة السورية الموجهة إلى الأمم المتحدة عام 1987 لعقد مؤتمر دولي تحت إشرافها لتعريف الإرهاب ووضع المعايير المناسبة للتمييز بينه وبين مقاومة الاحتلال.
وبغية الوقوف على مدلول كلمة (الإرهاب) ينبغي أولاً تحديد ما تعنيه هذه الكلمة في اللغة العربيّة، حيث إنّ أصلها الفعل الثلاثي (رَهِبَ)، ويفيد الفزع والخوف والذعر، ويُقال: أصابته الرهبة؛ أي الخوف، وإذا كان مصدر الرهبة هو الله سبحانه وتعالى فهذا يعني الخوف منه مقروناً بالتعظيم والإجلال. ورهب الشيء رهباً؛ أي خافه وأرهبه، ورهّبه واسترهبه بمعنى أخافه وأفزعه، وترهّب الإنسان تعني خشي الله وأصبح راهباً. وعدّ المعجم الوسيط الصادر عن مجمَع اللغة العربيّة بالقاهرة أنّ كلمة (الإرهاب) كلمة حديثة، وأصلها رهب بمعنى خاف، وأرهب بمعنى خوّف، والإرهابي هو وصف يطلق على الشخص الذي يسلك سبيل العنف لتحقيق هدف سياسي.
وقد وردت مشتقات كلمة «رهب» في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرّة بمعانٍ متعددة، أهمها الخوف من الله سبحانه وتعالى، ومرّة واحدة تفيد ترهيب العدو بالاستعداد لملاقاته وردّ كيده، وليس للعدوان عليه، كما ورد في [سورة الأنفال/الآية 60])وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوّكُمْ(.
ومما يجدر ذكره هنا أنّ بعضاً من المستشرقين والمفكرين الغربيين فهموا هذه الآية الكريمة بالمعنى المعكوس للمراد منها، واستنتجوا منها – عمداً أو خطأً – أنّ الإسلام دين إرهابي، أو على الأقل يدعو إلى الإرهاب!! كما أنّ هناك من اعتمد على فهمه المنحرف لهذه الآية ولغيرها مقروناً بوجود بعض الوقائع والفرق في التاريخ الإسلامي؛ كفرقة الحشاشين التي ظهرت في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، وبرعت في عمليات الاغتيال السياسي، فضلاً عن بعض الأحداث التي تنسب إلى بعض الحركات الإسلامية؛ ليؤكّد – تعسّفاً – أنّ الإسلام عقيدة وسلوكاً يدعو إلى الإرهاب وممارسته!! ومما لاشكّ فيه أنّ الباحث المنصف والموضوعي لابدّ أنّه سيخرج بنتيجة مفادها أنّ وراء هذه الادّعاءات الباطلة أهدافاً خفية وأحقاداً دفينة تدفع مروجيها للزعم بها والتشديد عليها. ومن ثمّ فلا أساس لها من الصحة، وتكذبها على نحو صريح مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعدها الأساسية، فالإسلام دين يدعو إلى السلام والمحبة والتسامح.
وبالعودة إلى موضوع تعريف الإرهاب فإنّه يجب الأخذ بالحسبان الملاحظات التالية في هذا التعريف المقترح له:
1- إنّ الإرهاب- وفي جميع صوره ومظاهره – يعدّ شكلاً من أشكال العنف أو الإكراه والقهر. وإذا كانت الوسائل العنيفة المستخدمة في العمل الإرهابي تمثّل غالبية أشكاله وصوره (كالقتل والتفجيرات والخطف… إلخ) إلاّ أنّ هذا العمل قد يشتمل على وسائل غير عنيفة بطبيعتها وماهيتها (كتسميم مياه الشرب أو نشر جراثيم وبائية… إلخ)، لكنّها تحقق من حيث النتيجة غايتها في ترهيب الأشخاص الموجهة إليهم وترويعهم بقصد تحقيق أهداف معيّنة من وراء هذا العمل… وهذا يعني أنّه يجب التمييز هنا بين الوسيلة المستخدمة في الإكراه وبين درجة الإكراه المتولدة عن استخدام هذه الوسيلة.
2- ولذلك يعدّ الإرهاب وسيلة أو أداة لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، حيث لا يوجد إرهاب لمجرد الإرهاب.
3- بناء على ما تقدّم فإنّ الأفعال الإرهابيّة تعدّ في حقيقتها الجوهرية أفعالاً رمزية Symbolic أو بالأحرى ذات طابع رمزي لا تقصد لذاتها، وإنّما لتحقيق أهداف أخرى تتمثل في إحداث الآثار النفسية في نفوس الموجهة إليهم وأذهانهم، وذلك بغرض الوصول إلى الغايات النهائية من هذه الأفعال تحت ضغط هذه التأثيرات النفسية والسياسية… وهذا يعني أنّ الفعل الإرهابي يتكوّن من درجتين:
¦ استخدام العنف المكثّف لتحقيق هذه الآثار النفسية. وبالتالي فالأهداف والضحايا المباشرة لهذا الفعل غالباً ما تكون عشوائية أو بمحض المصادفة، وهنا مكمن الخطورة والجسامة فيه.
¦ توظيف الآثار النفسية الناجمة عنه لتحقيق الأهداف السياسية المطلوبة من وراء ارتكاب مثل هذه الأفعال.
4- وإزاء هذه الخصائص النوعية التي تميّز العمل الإرهابي من غيره من الأعمال الإجرامية؛ لأنّه يمثل انتهاكاً خطراً لكلّ المبادئ القانونية والدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع الوطني والدولي على السواء، فهو تبعاً لذلك يعدّ جريمة، سواء في إطار القوانين الوطنية أم القانون الدولي. وإذا كانت غالبية القوانين الوطنية قد جرّمته على نحو صريح وواضح، بيد أنّ القانون الدولي لم يصل بعد إلى هذا التعريف المحدد لهذه الجريمة؛ وإن كان قد جرّم بعض صوره وأشكاله.
وعلى العموم هناك عشرات – بل مئات – التعريفات المقترحة لتحديد معنى الإرهاب. وهذا الكم الكبير من هذه التعريفات إنمّا يعبّر في حقيقة الأمر عن عمق الاختلافات القانونية وحجم التباينات السياسية الكبيرة القائمة فيما بين الدول والمفكرين والسياسيين وفقهاء القانون الجنائي والدولي على السواء بخصوص هذا الموضوع الشائك. ولا نغالي إذا قلنا: إنّ أغلب هذه التعريفات إنّما يعكس أيديولوجية سياسية أو موقفاً قانونياً محدداً للقائلين بها، وذلك من دون النظر أو الوقوف على المقتضيات الموضوعية للفعل وخصائصه.
ويُلاحظ أنّ جلّ هذه التعريفات تدور في فلك الحدين التاليين للتعريف المقترح للإرهاب: «الإرهاب هو كلّ فعل يستخدم العنف لتحقيق أهداف سياسية»، و«هو كلّ فعل يفتقد المبرّر القانوني أو الأخلاقي لارتكابه»، كما يقول ريتشارد فولك.
وبناء على ما تقدّم يمكن اقتراح التعريف التالي للإرهاب: «كلّ فعل عدواني إكراهي منظّم ومقصود، أياً كانت وسائله وجنسية فاعله أو صفته أو ضحيته، وسواء كان عملاً فردياً أم منسوباً إلى جماعة أو منظمة أو دولة، يُستخدم أو يهدد باستعماله لإحداث حالة من الذعر أو نشرها، والترهيب لدى أذهان فئة من الناس أو شعب بأكمله بغية تحقيق أهداف محددة، ويتمخّض عن هذا الفعل اعتداء خطر على حقوق الإنسان وحقوق الشعوب أو إخلال جسيم بالنظام العام للدولة أو تعريض سيادتها ووحدتها الوطنية للخطر».
رابعاً – مكافحة الإرهاب في التشريعات الوطنية:
يُلاحظ – بداية – أنّ المشرّع الوطني في كثير من الدول لم يتعرّض لتحديد الإرهاب أو تعريفه تحديداً أو تعريفاً يجعل منه أساساً لجريمة مستقلة وقائمة بذاتها؛ إلاّ في وقت متأخر نسبياً. ولكن هذا الأمر لا يعني أنّ مظاهر الإرهاب وأشكاله المختلفة لم تكن مجرّمة أو معاقباً عليها من ذي قبل، بل كانت كذلك، إنّما تحت مسمّيات وتكييفات جنائية أخرى، كالقتل والاغتيال والإيذاء الجسدي… ويرجع التأخّر النسبي في تجريم «الإرهاب» كجريمة مستقلة بحدّ ذاتها ومختلفة عن غيرها من الجرائم إلى صعوبة تحديد الركنين المادي والمعنوي لها، ذلك لأنّ الركن المادي للإرهاب يأخذ صوراً ومظاهر كثيرة ومختلفة بعضها عن بعض. وتكون مجرّمة في القوانين الوطنية كجرائم مستقلة ومنفصلة عن بعضها، ولذلك فالإرهاب يفتقر إلى ركن مادي يختص به، ويميزه من غيره. وكذلك الركن المعنوي أو النية أو القصد من هذه الجريمة. فالإرهاب لا يعدّ جريمة ترك أو إهمال، ولا هو – ظاهرياً على الأقل – جريمة ترتكب تحت تأثير دوافع دنيئة أو خسيسة كالانتقام أو الجشع. فالإرهاب تحرّكه – عادة – بواعث معيّنة مستمدة – ظاهرياً كذلك – من فكرة المصلحة العامّة لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية، وبناء على ذلك يمكن تصنيفه في نطاق فئة الإجرام المختلط. ولكن هذه النتيجة – أي عدّ الإرهاب جريمة مختلطة – سوف تؤدي إلى إعاقة إقامة نظام قمعي خاص بجرائم الإرهاب أو الحؤول دونها، والسبب يرجع إلى أنّه – والحال هذه – لا يضم كلّ الجرائم المختلطة، فهو نوع محدد منها؛ وكذلك لأنّ هذا التكييف القانوني للإرهاب ووضعه في «خانة» الجرائم المختلطة سوف يصطدم بمشكلة ثانية تتعلّق بكيفية معاملة مرتكبي الجرائم المختلطة في القانون الداخلي وفي القانون الدولي، حيث يثور الخلاف بشأن معاملتهم ما بين عدّهم مجرمين جنائيين عاديين أو عدّهم مجرمين سياسيين!
بناء على ذلك فإنّ بعض الدول ترفض من خلال تشريعاتها الجنائية الوطنية استحداث جريمة مستقلة للإرهاب تكون قائمة بذاتها وبأركانها، وتكتفي في هذا المجال بمعيار عام يتضّمن تعداداً لبعض الجرائم المعاقب عليها في هذه التشريعات، وتصنفها على أنّها جرائم إرهابية فيما إذا كانت على علاقة مع مشروع فردي أو جماعي يهدف إلى الخروج على النظام العام وإثارة الاضطراب فيه عبر التهديد بالتخويف والترهيب.
ويمكن القول: إنّ قانون العقوبات السوري الصادر عام 1949 يُعدّ من أقدم الأمثلة التي تبنّت هذا الاتجاه، وذلك بحسب ما ورد في المادّة 304 منه، التي نصّها: «يُقصد بالأعمال الإرهابيّة جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والأسلحة الحديثة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرمة والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً».
وكذلك المادّة 86/4 المضافة إلى قانون العقوبات المصري بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 1992.
ويُلاحظ أنّه بعد أحداث 11/9/2001 الإرهابيّة التي وقعت في كلّ من مدينتي نيويورك وواشنطن الأمريكيتين، وخلفت خسائر مادية وبشرية كبيرة، فقد أخذت غالبية الدول على عاتقها مهمة تطوير تشريعاتها الوطنية الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب… وفي الواقع تمّ تحت هذه الذريعة سنّ قوانين جديدة غُلّبت فيها الاعتبارات الأمنية على اعتبارات العدالة وحقوق الإنسان. لا بل أكثر من ذلك انتهكت فيها جملة من الحقوق الأساسية للإنسان، ولاسيما الأقليات أو الأجانب المقيمين في بعض هذه الدول، كالقوانين البريطانية والأمريكية الخاصّة بمكافحة الإرهاب التي أصبحت تسمى «قوانين العين الحمراء» لما تتضمّنه من بعض القواعد الخاصّة بالإدانة بالدليل السري مثلاً، والذي يحرم المتهم من حقّ إجرائي أصيل؛ وهو مواجهته بالدليل الذي يدان به. وكذلك حظر القيام بجمع أموال أو المساهمة بها أو التبرع بمعونات خيرية أو تعليمية أو إنسانية أو أيّ شكل من أشكال الدعم المادي لأيّ من الجماعات التي تحدّدها الحكومة الأمريكية بوصفها جماعات إرهابية!
وبهذه المناسبة فقد أصدرت مفوّضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 11/10/2001 وتحت عنوان «حقوق الإنسان والإرهاب» بياناً أكّدت فيه وجوب التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. ولكن هذا الواجب لا يسوّغ لا على المستوى الوطني ولا على المستوى الدولي الاعتداء على حقوق الإنسان، وإنّ مكافحة الإرهاب يجب أن تكون مقيّدة بمتطلبات العدالة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
خامساً- الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب:
استرعت الأخطار المترتبة على تفشّي ظاهرة الإرهاب أنظار المجتمع الدولي منذ العقود الأولى للقرن العشرين، وجمعت أعضاءه ومنظماته المختلفة حول ضرورة بذل كلّ جهد ممكن في سبيل مكافحته والقضاء عليه. بيد أنّ هذه الجهود اصطدمت في واقع الأمر بعقبات جمّة، كان أبرزها يتمثّل في تعذّر التوصل إلى اتفاق عالمي موحّد ومقبول لفكرة الإرهاب الدولي وتعريفه، يكون أساساً نظرياً، ويعدّ منطلقاً عملياً لمحاربته ومكافحته، حيث إنّه من دون هذا التعريف فإنّ الكفاح ضد الإرهاب سيكون بلا معنى وبلا فائدة.
وإزاء هذه الصعوبات فقد وجد المجتمع الدولي نفسه أمام خيارين، إمّا في التوصّل إلى اتفاقيات عامّة تعالج موضوع الإرهاب الدولي عموماً، وإما في إعداد اتفاقيات خاصّة تتناول صورة أو أسلوباً محدداً للإرهاب، كأخذ الرهائن أو خطف الطائرات أو الدبلوماسيين…إلخ.
والملاحظ عملياً أنّه لعدم وجود اتفاق دولي بشأن الإطار القانوني لمكافحة الإرهاب الدولي وعدم التوصّل إلى تعريف دقيق وواضح له قد جرى التركيز بهذا الخصوص على تجريم بعض الأفعال الخطرة والواقعة على فئات معيّنة من الأشخاص كالدبلوماسيين، أو التي تستهدف وسائل النقل الدوليّة (كالطائرات) أو موضوع تمويله…إلخ.
وفيما يلي أهمّ الاتفاقيات الدوليّة التي أقرّت في هذا الإطار:
1- اتفاقية طوكيو لمعاقبة الجرائم التي ترتكب على متن الطائرات لعام 1963.
2- اتفاقية لاهاي المتعلقة بقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات لعام 1970.
3- اتفاقية مونتريال الموقّعة عام 1971، والمتعلّقة بقمع الأعمال غير المشروعة الموجّهة ضد سلامة الطيران المدني الدولي.
4- «البروتوكول» المتعلّق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات التي تخدم الطيران المدني الدولي، مونتريال 1988.
5- اتفاقية نيويورك الموقّعة عام 1973 الخاصّة بمنع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية بمن فيهم الموظفون والدبلوماسيون والمعاقبة عليها.
6- اتفاقية مناهضة أخذ الرهائن، نيويورك 1979.
7- اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، نيويورك وڤيينا 1980.
8- اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية، روما 1988.
9- اتفاقية تمييز المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها، روما 1991.
10- الاتفاقية الدوليّة لقمع الهجمات الإرهابيّة بالقنابل، نيويورك 1997.
11- الاتفاقية الدوليّة لقمع تمويل الإرهاب، نيويورك 1999.
وتقوم اللجنة القانونية التابعة للجمعية العامّة للأمم المتحدة بإعداد اتفاقية لقمع الإرهاب النووي الذي يقوم به الأفراد واتفاقية شاملة لإزالة الإرهاب، والمقصود هو إرهاب الأفراد والجماعات والدول غير الصديقة للغرب.
هناك عدة اتفاقيات دولية – إقليمية لمكافحة الإرهاب الدولي، منها: الاتفاقية الأوربية لقمع الإرهاب لعام 1977، والاتفاقية الأمريكية لمنع الأعمال الإرهابيّة والمعاقبة عليها لعام 1971، والاتفاقية العربيّة لمكافحة الإرهاب لعام 1998.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ الجمعيّة العامة للأمم المتحدة كانت قد أصدرت القرار رقم /3034/ بتاريخ 18/12/1972 الخاص بموضوع الإرهاب الدولي والذي تشكلت بموجبه لجنة دولية مؤلفة من 35 دولة مهمتها دراسة السبل الكفيلة بالقضاء عليه. وتفرّعت هذه اللجنة إلى ثلاث لجان فرعية: تختص الأولى بتعريفه، وتكون مهمة الثانية دراسة الأسباب الكامنة وراء انتشاره، أمّا الثالثة فتبحث في موضوع التدابير والإجراءات المناسبة لمنعه وقمعه. وفي السياق ذاته وبعد أحداث 11/9/2001 اتخذ مجلس الأمن الدولي عدة قرارات حول موضوع الإرهاب، كان أخطرها القرار الصادر عنه بتاريخ 28/9/2001 ويحمل الرقم /1373/ والذي يفرض على عاتق جميع الدول – وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة – جملة من الالتزامات تتعلّق بمنع تمويل الإرهاب والرقابة على عمليات تحويل الأموال، وسنّ التشريعات الوطنية والانضمام إلى الاتفاقيات الدوليّة الخاصّة بمكافحة الإرهاب الدولي، والتعاون في هذا المجال. كما شكّل القرار لجنة دولية في إطار مجلس الأمن الدولي، مهمتها مكافحة الإرهاب الدولي. وهذا يعني أنّ دور هذه اللجنة سيصادر- إن لم يكن فعلياً قد صادر- مهمة اللجنة الدوليّة الخاصّة بالإرهاب المشكّلة في إطار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة تنفيذاً لقرارها رقم 3034، وهذا يعني هيمنة مجلس الأمن الدولي – بدوله الكبرى – على هذا الموضوع الخطير على حساب الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة!
سادساً – التمييز بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال (الكفاح المسلّح):
يحاول أعداء الأمتين العربيّة والإسلامية جاهدين الإساءة إلى حركات المقاومة المسلّحة والتحرير الوطني بالخلط المتعمّد بين أعمالها وبين الإرهاب الدولي، وعدّهما في سلّة واحدة من الإدانة والتجريم، وذلك بغية تشويه صورة حركات المقاومة والتحرير الوطني أمام الرأي العام العالمي وتلطيخها بصفة الإرهاب والإجرام وبهدف نسف كلّ شرعية قانونية أو أخلاقية تتمتع بها في مواجهة قوى الاحتلال والاستعمار والاستغلال.
وبغية التمييز ووضع الأمور في نصابها الصحيح كان لابدّ من استنتاج بعض المعايير للتفريق بين الموضوعين. ويُلاحظ أنّ القاسم المشترك الأعظم في هذه المعايير المستنتجة أنّ مقاومة الاحتلال تعدّ عملاً مشروعاً وفقاً لقواعد القانون الدولي المعاصر، في حين أنّ الإرهاب الدولي يعدّ عملاً غير مشروع وفقاً لهذه القواعد والمبادئ؛ أي إنّه يعدّ جريمة دولية. ومن أهمّ هذه المعايير:
1- معيار الشرعية والمشروعية:
أضحى مفهوم «مقاومة الاحتلال» حقاً مشروعاً ومعترفاً به ومؤكداً في قواعد القانون الدولي المعاصر وقرارات الشرعيّة الدوليّة، وتتمتع به جميع الدول والشعوب التي احتلت أراضيها – كلياً أو جزئياً – ويخولها صلاحية اللجوء إلى العنف المسلّح أو سلطته بغية تحريرها والحصول على الحرية والاستقلال وتقرير المصير. وتشكّل هذه القواعد والقرارات الدوليّة النصوص القانونية المكونة والمؤكدة لـ «شرعية حقّ المقاومة». وتتعاظم أهمية هذا المعيار في حال ممارسة «حقّ المقاومة» وفقاً للنصوص القانونية الدوليّة الناظمة له والمحددة لضوابطه وقيوده والغايات المرجوة منه؛ حيث إنّ هذا الحقّ يتمتع – في هذه الحالة – فضلاً عن صفة «الشرعيّة» بصفة «المشروعية» لأنّه يعدّ استخداماً أو تطبيقاً صحيحاً لهذه النصوص القانونية؛ وبالتالي يمثل استعمالاً مشروعاً للقوة في العلاقات الدوليّة. وهذا ما يبعده ويميزه من الإرهاب لأنّه يتضّمن استخداماً غير مشروع للقوة.
2- معيار الدوافع والغايات (الأسباب والأهداف):
وهو من أهمّ المعايير للتمييز بين المقاومة والإرهاب، حيث يلجأ أفراد حركات المقاومة المسلّحة إلى السلاح بدافع من مشاعرهم الوطنية دفاعاً عن أرض الآباء والأجداد ضد العدوان الخارجي، ومن أجل تخليص تلك الأراضي من براثن الاحتلال أو الاستعمار، ويقدمون أرواحهم فداء لأوطانهم، ويبذلون دماءهم دليلاً وبرهاناً على وطنيتهم وإخلاصهم. «فالدافع الوطني» يعدّ معياراً أساسياً لتمييز أعمال المقاومة المسلّحة من أعمال الإرهاب التي يكون الهدف من ورائها الحصول على مغانم خاصّة ومكاسب شخصية.
وكما يُعطي حجم الاتفاق والتأييد الشعبي الكبير حول حركات المقاومة ونضالها التحرري بُعداً إضافيـاً في شرعيتها وتمييزها من الإرهاب الذي يفتقد هذا التأييد والتعاطف الشعبي.
3- معيار السوابق التاريخية والقضائية:
ويتعلّق هذا المعيار بممارسة «حقّ المقاومة» من قبل جميع الشعوب والدول التي احتلت أراضيها كلياً أو جزئياً، وذلك على مدار التاريخ. وقد مارسته فعلياً دول أوربا التي وقعت فريسة للاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية. ومن قبلها الولايات المتحدة الأمريكية في حرب استقلالها ضد القوات البريطانية. وقد أكّد القضاء الدولي وفي مناسبات عديدة شرعية مقاومة الاحتلال واكتساب أفراد حركات المقاومة صفة المقاتل القانوني، وبالتالي استحقاقه لمركز أسير حرب والضمانات الملازمة له فيما إذا وقع في أسر أعدائه.
4- المعيار المستمد من القانون الدولي الإنساني:
ويتعلّق هذا المعيار بوضع الشخص الذي يرتكب أعمال العنف حيث يحقّ قانونياً لأفراد القوات المسلّحة وحركات المقاومة استخدام العنف والاشتراك في العمليات العدائية مباشرة؛ وبالتالي فإنّ هذا الحقّ غير مكفول لأيّ أشخاص آخرين؛ فإذا لجأ هؤلاء الأشخاص إلى العنف – رغم ذلك – فإنّ أفعالهم تعدّ أعمالاً إرهابية.
كما يتعلّق هذا المعيار بتطبيق القواعد القانونية الخاصّة بحماية فئات محددة من الأشخاص – المدنيين – والقواعد المتعلقة بأساليب الحرب والقتال ووسائلهما في النزاعات المسلّحة، فالتزام هذه القواعد يجعل العمل مشروعاً، والخروج عليها وانتهاكها يجعل العمل إرهابياً.
5- المعيار المستمد من ميثاق الأمم المتحدة:
ومضمونه أنّ مقاومة الاحتلال والإرهاب أسلوبان من أساليب استخدام العنف والقوة، وبالتالي فإنّه لتقرير شرعيتهما أو عدم شرعيتهما فإنّه يجب النظر إلى حالات مشروعية استخدام القوة في ميثاق الأمم المتحدة – دستور العلاقات الدوليّة – فبموجب الفقرة 4 من المادّة الثانية يحظر استخدام القوة أو حتّى مجرد التهديد باستعمالها ضد السلامة الإقليمية لأيّ دولة أو على خلاف مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها.
بموجب المادّة /51/ من الميثاق نفسه فقد أبيح استخدام القوة دفاعاً عن النفس إذا قامت الشروط الموضوعية له. وهذا يعني أنّ مقاومة الاحتلال ترتكز على مفهوم الدفاع الشرعي عن النفس بموجب المادّة /51/ فضلاً عن الحقّ في تقرير المصير، وهذا ما يعزز شرعيتها وقانونيتها في مقابل عدّ الإرهاب استخداماً للعنف والقوة على نحو غير مشروع.
وهناك معايير أخرى للتمييز بين المقاومة والإرهاب تدور حول هذه المحاور السابقة… مثال ذلك ما ورد في قرار الجمعية العامة رقم 2625 لعام 1970 الذي يعدّ تفسيراً رسمياً لبنود الميثاق حول التعاون بين الدول.
مراجع للاستزادة:
– أحمد محمد رفعت، الإرهاب الدولي في ضوء أحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدوليّة وقرارات الأمم المتحدة (دار النهضة العربيّة، د.ت).
– خالد عبيدات، الإرهاب يسيطر على العالم!! (عمان 2004).
– محمد المتولي، التخطيط الاستراتيجي في مكافحة جرائم الإرهاب الدولي (مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، 2006).
– محمد عزيز شكري، الإرهاب الدولي؛ دراسة قانونية ناقدة (دار العلم للملايين، بيروت 1991). وأصلها بالإنكليزية International Terrorism; a legal critique Amana Book Vermont U.S.A 1991.
– محمد عبد العزيز سرحان، «حول تعريف الإرهاب الدولي وتحديد مضمونه من واقع قواعد القانون الدولي وقرارات المنظمات الدوليّة»، مجلة الجمعيّة المصرية للقانون الدولي، المجلد 29، 1973.
– محمد مؤنس محب الدين، الإرهاب في القانون الجنائي دراسة مقارنة على المستويين الوطني والدولي (مكتبة الأنجلو المصرية، د.ت).
– هيثم موسى حسن، التفرقة بين الإرهاب الدولي ومقاومة الاحتلال في العلاقات الدوليّة، رسالة دكتواره (كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1999).