*خبيرة في نزع الألغام: ماذا سنجد تحت 37 مليون طن من الركام في غزّة؟*
غزّة الآن واحدة من أكثر المناطق تلوّثاً من حيث الذخائر غير المنفجرة. وهذا إرث مميت سيودي بحياة الكثيرين وسيعرقل محاولات إعادة الإعمار لسنوات مقبلة.
فلسطين المحتلة
الكاتب: هانية البيومي
صحيفة “الغارديان” البريطانية تنشر تقريراً لـ هانية البيومي، وهي مديرة الاستجابة لحالات الطوارئ في غزّة لدى المجموعة الاستشارية للألغام (MAG)، تتحدّث فيه عن عملية إزالة الألغام في غزّة وتفجير وتفكيك الأسلحة غير المنفجرة التي ألقاها الاحتلال على القطاع، وعن خطورة وأهمية هذه العملية الضرورية والتي تحتاج تمويلاً كبيراً.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
وسط الفظائع العديدة التي تتكشّف في غزة، هناك فظائع مخفية حتى الآن، وتهدّد بإحباط الآمال في التعافي بعد فترة طويلة من توقّف سقوط القنابل على غزّة.
غزّة هي واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض. ومن المؤسف أنّ هذه المنطقة يمكن أن تصبح الآن واحدة من أكثر المناطق تلوّثاً من حيث الذخائر غير المنفجرة. وهذا إرث مميت سيودي بحياة الكثيرين وسيعرقل محاولات إعادة الإعمار لسنوات مقبلة.
أعلم ذلك، لأنه من خلال دوري كمدير الاستجابة لحالات الطوارئ في المجموعة الاستشارية للألغام (MAG)، سأكون أحد الأشخاص المكلّفين بمساعدة الزملاء أثناء إزالة القنابل غير المنفجرة التي خلّفتها وراءهم، ويتطلّب عملنا اليومي غربلة الركام ومخلّفات الحرب مرتدين دروعاً ثقيلة، ومحاولة رسم خريطة للمضي قدماً بعيداً عن الدمار والخراب.
أنا من مدينة غزة، لذا لدي مصلحة شخصية خاصة في إعادة منزلي إلى نوع ما من الحياة الطبيعية: مكان يمكن للأطفال اللعب فيه على شاطئ البحر ، ويمكن لآبائهم ممارسة حياتهم الطبيعية من دون خوف من انفجار قنبلة غير منفجرة.
لقد تمّ إطلاق مئات الآلاف من الصواريخ والقنابل اليدوية وقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ونسبة كبيرة من تلك الأسلحة لم تنفجر، ويمكن أن تكون مدفونة أو عالقة في الأنقاض أو ملقاة على السطح.
ويتعيّن على خبراء الألغام الأرضية والذخائر المتفجّرة مثلنا، الذهاب إلى مناطق الحرب بعد أن يستقرّ الغبار، والعثور على كل واحدة من هذه الأسلحة التي يحتمل أن تكون مميتة. وفي غزة، قد تكلّف عملية إعادة الإعمار المضنية والخطيرة، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نحو 40 مليار دولار، وتستغرق أكثر من عقد من الزمن حتى تنتهي.
لا يمكننا معرفة التحدّي الذي سيواجهنا إلا عندما يسمح الوصول الآمن بإجراء مسح مناسب، ولكن من المؤكد أنّ طبيعته ستكون فريدة من نوعها. وبالمقارنة مع الصراعات الحضرية الأخيرة التي يتمتع فيها زملائي بخبرة واسعة، فمن المؤكد أنّ التلوّث في غزة سيكون أكثر تعقيداً من ذلك الذي رأيناه في العراق وسوريا، حيث خلّفت المعركة ضد تنظيم “داعش” دماراً واسع النطاق لا يزال مرئياً حتى اليوم.
لقد تمّ تدمير مناطق واسعة في العراق وسوريا بسبب استخدام الأسلحة الثقيلة، لكنّ الحجم الهائل للدمار في غزّة، والطبيعة الكثيفة للبيئة الحضرية في القطاع، ستجعل إزالة الألغام هنا صعبة للغاية.
ويزداد حجم المهمة سوءاً بسبب التنوّع الكبير في الأسلحة المنتشرة، بدءاً من الصواريخ الموجّهة بدقة وحتى نيران المدفعية والقنابل اليدوية. وهناك ما يقدّر بنحو 37 مليون طن من الأنقاض التي سيتعيّن على الخبراء غربلتها لتفجير المتفجرات؛ ثم هناك القنابل التي يتمّ إسقاطها جواً والتي يمكن دفنها على عمق 14 متراً تحت سطح الأرض. وسيتطلّب كل منها نهجاً عملياً مختلفاً، حيث سيتمّ تفجير بعضها في مكانها والبعض الآخر يتطلّب إزالة الصمامات المعقّدة والحسّاسة من قبل خبراء الذخائر المتفجّرة المدرّبين تدريباً عالياً.
في غزّة، ستكون هناك مخاطر بسبب المواد الكيميائية المنتشرة، ونعلم أنّ مواقع مثل المستشفيات ستشكّل مخاطر بيولوجية أو إشعاعية إضافية ناجمة عن المعدات الملوّثة ومعدات الأشعة. ومن المأساوي أنّ خبراء الذخائر المتفجّرة ربما سيضطرون أيضاً إلى مواجهة المهمة المؤلمة المتمثّلة في التعامل مع الرفات البشرية.
وبشأن ما سيكون مطلوباً في “اليوم الأول” بعد الحرب، يجب على الدول أن تأخذ في الاعتبار كيفية البدء في التعامل مع آثار هذا الصراع، وكلما أسرعنا في المسح وتحديد الأولويات والبدء في مهمة التطهير الخطيرة والصعبة، كلما استطعنا تأمين المرور الآمن للإغاثة الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية.
بالنسبة لي، هذا أمر شخصي: لقد غادرت غزة منذ ثلاثة أشهر فقط، ولكن عائلتي لا تزال هناك، تحتمي من الصواريخ في مساكن مؤقتة مع مئات الآلاف الآخرين في خان يونس. أشعر بالقلق بشأن ما يخبّئه المستقبل لعائلتي ولأبناء وبنات إخوتي. متى سيكون لديهم منزل مرة أخرى؟ متى ستكون لديهم مدرسة للتعلّم؟ متى سيكونون قادرين على التنقّل من دون خوف؟ أفكّر باستمرار في سلامة أحبائي وآمالنا التي نفد صبرها.
وتعيّن على الدول تنفيذ إجراءات ملموسة لضمان أسرع انتعاش ممكن للشعب الفلسطيني في غزة. من السهل تحديد هذه الخطوات: وقف إطلاق النار الذي ينهي القتل ويتيح الوصول الآمن؛ وعلى المجتمع الدولي الالتزام بالتمويل والإفراج عنه في أقرب وقت ممكن.
وكلما جُعلت غزة آمنة بشكل أسرع، كلما تمكّنا من إعادة بناء مجتمعنا بشكل أسرع، وكلما تمكّنا من البدء في لملمة حطام حياتنا.
نقلته إلى العربية: بتول دياب