في ملكية الحرم الشريف والقدس للفلسطينيين


إيلي يوسف
ولد الكيان الصهيوني في ظل موازين قوى كانت في مصلحته، فقيام دولة يهودية وإن كان أحد مخرجات مؤتمر بال في سويسرا عام 1897، إلا أن رعاية بريطانيا وفرنسا للفكرة هي التي مهّدت الطريق لها لتصبح واقعاً قائماً.
بعد انتصار بريطانيا وفرنسا وهزيمة تركيا (الدولة العثمانية) وحلفائها في المحور، صدر قرار وعد بلفور 1917 الذي أقرّت فيه بريطانيا حق اليهود بإقامة دولة لهم في فلسطين، وبحكم احتلالها فلسطين وفّرت كل أسباب ذلك، ولكي تشرعن ذلك الوجود جاءت هي وفرنسا المنتصرتان في الحرب بنظام عصبة الأمم ليكون النظام الدولي الذي أعقب اتفاقية وتسفاليا 1648، وتقرّ العصبة نظام الانتداب والوصاية، الذي وُضعت فلسطين من خلاله تحت الانتداب البريطاني الذي كان الحاضنة للجنين الذي كان فكرة في مؤتمر بال ووفّرت له كل أسباب الحياة.
وللذين لا يعرفون التاريخ وقرار محكمة العدل قديماً، فإن قرار المحكمة الدولية في ملكية كل الحرم الشريف والقدس للمسلمين حقيقة لا يعرفها أغلب العرب والمسلمين، ولو كانت هذه الوثيقة لصالح اليهود لترجمت إلى جميع لغات العالم، ولسمع بها كلّ الناس.
هناك قرار محكمة دولية قبل 93 عاماً، وأثناء الانتداب البريطاني لفلسطين، عندما تقاضى المسلمون واليهود حول قضية القدس والمسجد الأقصى: هل هو حقٌ للمسلمين، أم هو الهيكل المزعوم ؟! فماذا قال المحكمون الأوربيون والقضاة المحايدون والمحامون وعلماء التاريخ والآثار الدوليون ولم يكن بينهم عربي ولا مسلم واحد عن المسجد الأقصى وعن الحائط الغربي العتيق للمسجد الأقصى، هل هو حائط المبكى، وهل هو حق لليهود أم هو حائط البراق وهو حق وملك للمسلمين؟! وماذا كان قرار تلك اللجنة الدولية؟!
أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين.. (اندلعت ثورة البراق عام 1929 ضد المستعمر البريطاني) احتجاجاً على تسهيلات قدمها الانكليز لليهود للوصول والصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى ولم تهدأ الثورة أبداً، إلا بعد أن قبل الانكليز إحالة النزاع إلى محكمة دولية للبت هل الحائط هو حائط البراق الإسلامي، أم هو حائط المبكى اليهودي؟!
قامت بريطانيا بتعيين لجنة برئاسة وزير الشؤون الخارجية السابق في حكومة السويد رئيساً، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف، ورئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة، وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق وعضو ببرلمان هولندا، وهي لجنة دولية محايدة وعلى أعلى مستوى قضائي وتحكيمي. وصلت اللجنة إلى القدس في 19 حزيران 1930 حيث أقامت (شهراً كاملاً) في فلسطين، وكانت في كل يوم تعقد جلسة أو جلستين. أثناء الجلسات التي عقدتها اللجنة وعددها 23 جلسة استمعت إلى شهادة 52 شاهداً، من بينهم 21 من حاخامات اليهود و30 من علماء المسلمين، وشاهد واحد بريطاني.
وقدم الطرفان إلى اللجنة 61 وثيقة، منها خمس وثلاثون مقدمة من اليهود، وست وعشرون وثيقة مقدمة من المسلمين.
وثبت للمحكمة الدولية أن (حجة المسلمين كانت هي الغالبة)، إذ استطاع دفاعهم أن يثبت أن جميع المنطقة التي تحيط بالجدار وقفٌ إسلاميٌ بموجب وثائق وسجلات المحكمة الشرعية، وأن نصوص القرآن وتقاليد الإسلام صريحة بقدسية المكان عندهم، وأن زيارة اليهود للحائط ليست حقاً لهم، بل كانت منحة محددة بموجب (أوامر الدولة العثمانية)، وبموجب (أوامر الحكم المصري للشام)، ولم تكن إلا استجابة للالتماسات المتكررة بزيارة المكان (ودون السماح لهم بإقامة شعائر الصلاة في هذا المكان)، ويكتفى بالدعاء بلا صوت ولا إزعاج، ولا أدوات جلوس أو ستائر.. وكان ذلك منحة من الحكومات المسلمة كنوع من التسامح الديني (وليس حقاً تاريخياً ولا دينياً ولا عقارياً)!
جاء قرار المحكمة بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، وبعد أن استمعت إلى ممثلي العرب المسلمين وممثلي اليهود، وأطلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان، وزارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين، وعقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من 28 تشرين الثاني إلى 1 كانون الأول 1930م، حيث انتهت اللجنة بالإجماع إلى قرارها الذي استهلته بالفقرة التالية:
“للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير”.
ونصت أيضاً: “إن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يجلبها اليهود ويضعونها بالقرب من الحائط لا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له”.
وتضمن القرار عدداً من النقاط الأخرى، أهمها: “منع جلب المقاعد والرموز والحُصُر والكراسي والستائر والحواجز والخيام، وعدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط”.
وقد وضعت أحكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتباراً من 8 تموز 1931، وأصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه. وقد حمل كل من الحكم الدولي والكتاب الأبيض اليهود على التزام حدودهم، ولم يلبث أصوات اليهود أن خفت ظاهريا بالنسبة لموضوع الحائط.. كما أصدر ملك بريطانيا على أساس ذلك المرسوم الملكي المعروف باسم ”مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931”، الذي نُشر في حينه في الجريدة الرسمية لفلسطين.
ومع قيام الحرب العالمية الثانية وانتهائها بانتصار كل من بريطانيا وفرنسا وأميركا وحلفائها، تم إقامة وولادة منظمة الأمم المتحدة بديلاً عن العصبة، وتشكّل نظام دولي جديد، حيث نضجت ظروف قيام الدولة اليهودية صدر القرار رقم 181 لعام 1947 القاضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب لتكون الولادة برعاية أميركية، في 15 أيار عام 1948، ويعلن بن غوريون قيام ما تسمّى دولة “إسرائيل”. ولجهة إدماج هذا الكيان في المجتمع الدولي، تم قبول عضويته عام 1949، بعد أن رفض طلب العضوية مرّتين، ولكنه قبول مشروط بتنفيذ “إسرائيل” للقرارين 181 لعام 1947، وهو قرار التقسيم، والقرار 194 لعام 1949 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم وأراضيهم أو قبولهم التعويض، وقد وافقت ووقّعت الحكومة الإسرائيلية، آنذاك، والتي كان يرأسها الإرهابي ديفيد بن غوريون، على ذلك التعهّد.
ومع مرور 75 عاماً على ذلك التعهّد، إلا أن الكيان الصهيوني لم يقم بتنفيذ مضامينه وهو قيام دولة فلسطينية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ما يطرح إمكانية إثارة قضية طرد هذا الكيان من عضويته في الأمم المتحدة لعدم تنفيذه للقرارين المذكورين وقبوله المشروط بتنفيذهما، ولعل مسؤولية طرح ذلك تقع على عاتق الدول العربية أو أية دولة عضو في الجمعية العامة أو مجلس الأمن الدولي.

مواضيع ذات صلة: